أحمد زكريا: صحافي
موجة من التحذيرات والانتقادات أطلقت من الدول التي تؤوي لاجئين سوريين، حول خطر القانون رقم (10) لعام 2018 وتبعاته الذي أصدره رأس النظام بشار الأسد، في (2 نيسان/أبريل الماضي)، كونه يجيز له السيطرة على أراضي المهجّرين والنازحين والمعارضين لحكمه وعقاراتهم.
ماهية القانون رقم 10
يلزم القانون رقم (10) لعام 2018 -بحسب مصادر قانونية- مالكي العقارات بتقديم ما يثبت ملكيتهم لها في غضون شهرٍ واحد، وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات وتصادرها الدولة، ويحقّ لها تمليك العقارات لمن تراه ملائماً.
وبينما رأت ألمانيا أن هذا القانون يهدف إلى مصادرة عقارات أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين خارج سوريا والنازحين في داخلها على نطاق واسع، بمسمى تنظيم المناطق العشوائية التي دمّرت بسبب الحرب، حذّر رئيس الوزراء اللبناني (سعد الحريري) أن القانون رقم (10) يهدف إلى منع اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان من العودة إلى بلدهم.
من جهتها، منظمة (هيومن رايتس ووتش) قالت في تقرير لها، صدر في (29 أيار/ مايو الماضي)، إن القانون رقم 10 الذي أصدره النظام يتيح له مصادرة العقارات من دون تعويض أصحابها أو منحهم فرصةً للاستئناف، مشيرةً إلى أن نظام الأسد له سوابق باستخدام هذه القوانين، لتدمير أحياء مُعارضة لحكمه.
مخاوف (ألمانية لبنانية) مشتركة من القانون رقم 10
رئيس (تجمع المحامين السوريين الأحرار) المحامي (غزوان قرنفل) قال في تصريح خاص لمرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي:
إن اللبنانيين يخشون من هذا القانون لأن من شأنه أن يحرم كثيراً من اللاجئين ملكياتهم العقارية ما يحول دون عودتهم إلى سوريا ويبقيهم في لبنان، والكل هناك يخشى مسألة توطين اللاجئين السوريين ما يؤثر -من وجهة نظرهم- على التركيبة السكانية للمجتمع اللبناني من وجهة مذهبية، وهذا مبعث خوف اللبنانيين من هذا القانون.
أما بالنسبة إلى ألمانيا، وبحسب (قرنفل) فإنها أيضاً ترى أن هذا القانون سيحرم اللاجئين السوريين ممن هم خارج البلاد والنسبة الكبرى منهم في ألمانيا (في مستوى التوزع في أوروبا) من عقاراتهم، وسيجعل فرص عودتهم إلى بلادهم إذا ما خرج السوريون بحل سياسي مستحيلة، لذلك قادوا حملة دولية لهذا الشأن، مرتكزين على أن هذا القانون مخالف أصلا لمضامين القانون الدولي الإنساني ومبادئ (بينيرو) التي تكفل للاجئين الحق في العودة إلى بلدهم وأملاكهم، والتعويض عن الأضرار التي طالتهم، هذا هو سر الحملة الدولية في هذا السياق.
وأكد أن هناك تحركات مهمة من منظمات سورية بالتعاون مع منظمات دولية وأوروبية، فضلاً عن دعم الحكومات الأوروبية لمساعي إجهاض هذا القانون وآثاره.
نبأ سيئ بالنسبة إلى ألمانيا
ونقل عدد من وسائل الإعلام العربية والعالمية عن المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) قولها: (إن هذا نبأ سيئ جداً لجميع من يريد العودة إلى سوريا) في إشارة منها إلى القانون رقم 10 الذي أصدره الأسد وينص على فقدان السوريين لممتلكاتهم في حال عدم تسجيلها ضمن مدة زمنية محددة.
من جهته، النائب الألماني من أصل سوري (جمال قارصلي) المقيم في ألمانيا منذ 38 عاماً قال للمرصد: إن المجتمع الألماني بطبيعته حساس بخصوص العدالة، لذلك فإن المجتمع الألماني يرى في هذا القانون ظلماً واضحاً، ومن ثم فإن ما تتخوف منه ألمانيا هو أنها احتوت عدداً كبيراً من اللاجئين، في ظل وجود ما يقارب مليون لاجئ سوري، في حين إنها تأمل في أن يعود القسم الأكبر منهم إلى بلدهم عندما يستتب الأمن والأمان، إلا أن هذا القانون سيكون معوّقاً كبيراً ويعطي سبباً جديداً وواضحاً لبقاء اللاجئين في ألمانيا.
وذكرَ (قارصلي) أن النظام من خلال هذا القانون، يريد أن يلعب لعبته ويعمل على (التطهير العرقي) في مناطق معينة وبخاصة المناطق المحيطة بدمشق، ومن هنا فإن ألمانيا ستحاول الضغط على روسيا بإمكاناتها كلها، وقد أضاف أن السؤال الأبرز هنا: هل ستنجح ألمانيا وحدها في هذا العمل؟ معرباً عن أمله في أن تنضم مؤسسات دولية أخرى إلى ألمانيا للمساعدة في إجهاض هذا القانون الجائر والظالم بحق السوريين.
قانونٌ خطر جداً
وصف الإعلامي والحقوقي (ماجد الخطيب) في حديثه للمرصد القانون رقم (10) بأنه خطرٌ جداً، كونه ببساطة يشمل المناطق جميعها؛ المنظمة وغير المنظمة في أنحاء الجمهورية العربية السورية كلها، ومن هنا تكمن خطورته فهو يقضي بإعادة تنظيم المنظم ووضع اليد على مناطق العشوائيات مثل منطقة (مزة جبل) في دمشق ومنطقة (السكري وتل الزرازير) في حلب، مضيفاً إن هذا القانون هو شرعنة واضحة للنظام للاستيلاء على عقارات السوريين ممن خرجوا ضد نظام الأسد، تحت مظلة القانون.
وكان نظام الأسد قد أصدر في وقت سابق من عام 2012 مرسوماً حمل الرقم (66) القاضي بتنظيم مناطق المخالفات والسكن العشوائي ضمن العاصمة دمشق في جنوب شرق (المزة) جنوب المحلق الجنوبي بما في ذلك (بساتين الرازي).
وقال (الخطيب): إن القانون رقم 10 لعام 2018، يختلف عن المرسوم رقم 66 لعام 2012 من حيث نطاقه الجغرافي فالأخير قضى بإحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق هما تنظيم منطقة جنوب شرق المزة والثانية تنظيم جنوبي المتحلق الجنوبي.
في حين، رأت مجموعة من المحامين المنشقين عن سلطة النظام تطلق على نفسها اسم (القانونيين السوريين الأحرار)، أن المرسوم (66) لعام 2012 صدر بهدف منح العقارات للجمهورية الإيرانية وبخاصة الواقعة خلف سفارتها في منطقة المزة، وكذلك منحها عقارات في كفرسوسة وداريا والقدم، مشيرة إلى حدوث ذلك بالفعل، وفق ما جاء في مذكرة قانونية لتلك المجموعة أصدرتها في 12 نيسان/ أبريل من عام 2018، وأطلع عليها المرصد.
ووصَف (الخطيب) القانون رقم (10) بسيئ الصيت، كونه يؤدي من حيث النتيجة إلى إعادة صوغ المشهد الديموغرافي في سوريا وتغييره، وهو امتداد للجريمة الأصل؛ أي جريمة التهجير القسري التي هي ذاتها جريمة التغيير الديموغرافي، وتساءل قائلاً: كيف لملايين السوريين من الذين هجروا ونزحوا وغيبوا في السجون أن يثبتوا حقوقهم وملكياتهم في غضون شهر؟، وأضاف: أنت في حالة الاستقرار لا يسعك هذا، فكيف والبلاد تعصف بها حالة الحرب؟
وأشار الحقوقي إلى أن أغلب الحقوق غير مثبتة لدى دوائر السجل العقاري أو الموقت، وإنما جُلها موثق إما بصورة عقد عرفي بين الطرفين أو بصورة حكم محكمة، ومن ثم هناك صعوبة بالغة في إيجاد هذه الوثائق وتقديمها إلى اللجنة الإدارية المعنية، أضف إلى ذلك أن قرار المحكمة يقبل الاستئناف فقط وفي غرفة المذاكرة، أي حرمان الطاعن من إعادة نشر دعواه والحضور أمام محكمة الاستئناف، وكأنك والحال هذه أمام عملية سرقة منظمة وخاطفة وسريعة.
وحذّر (الخطيب) من أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد بل ستتبعه سلسلة من القوانين ترسخ حالة تغيير المشهد ديموغرافياً، وقال: لا نستغرب عندما سيأتي اليوم الذي يُصدر فيه بشار مرسوماً يقضي بسحب الجنسية السورية من أشخاص معينين، وفق معايير تخدم مصالحه ومصالح إيران الداعم الأكبر ومهندس عملية التغيير الديموغرافي.
القانون رقم 10 سرقة موصوفة
وجاء في مذكرة (القانونيين السوريين الأحرار) أن بشار الأسد ومن خلفه إيران، عمدوا إلى إصدار قانون احتيالي بالتزامن مع تهجير ما تبقى من سكان الغوطة الشرقية ومحيط دمشق، بهدف (غصب) عقارات كل من ثاروا عليه بوسائل غير قانونية نص عليها القانون رقم 10.
ويرى (يحيى مكتبي) عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض في تصريح خاص للمرصد، أن هذا القانون هو سرقة موصوفة، فكما تميز جنود الأسد بالتعفيش وسرقة ممتلكات السوريين من منازلهم، يأتي اليوم رأس العصابة بشار ليقوم بتعفيش أراضي السوريين وممتلكاتهم من خلال هذا القانون.
ولفت الانتباه، إلى أن الائتلاف الوطني السوري أقام ورشة قانونية لبحث جوانب هذا القانون كلها، وأصدرت اللجنة مجموعة من التوصيات وهي تتحرك على أكثر من صعيد وتتواصل مع الجهات الحكومية والقانونية في عدد من الدول المؤثرة، مشيراً إلى تجاوب عدد من الدول، يضاف إلى ذلك نيتهم تشكيل فريق خاص لمتابعة هذا الملف المهم، لأنه يضاف إلى سلسلة الجرائم التي يرتكبها النظام بحق الشعب السوري، على حد تعبيره.
عقبة رئيسة أمام عودة اللاجئين والنازحين
ويكمن خطر القانون رقم 10 لعام 2018، بحسب (القانونيين السوريين الأحرار) في أن أغلب السوريين ممن يوجدون خارج سورية بوصفهم لاجئين أو في داخلها بوصفهم مهجرين ونازحين، لن يتمكنوا إرسال توكيل إلى أي قريب على فرض وجوده في سورية لأن أي وكالة تحتاج إلى موافقة أمنية، ومن ثم من الممكن أن تعرض الوكيل للاعتقال أو التصفية.
وفي هذا الصدد يرى المحامي (المعتصم الكيلاني) من (المركز السوري للإعلام وحرية التعبير)، أن القانون رقم 10 الذي تروج له الحكومة بوصفه قانوناً للتنظيم العمراني سيخلق عقبة رئيسة أمام عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، والمراد منه شرعنة عملية سلب ملكية مالكي العقارات كلهم الذين لا يستطيعون المثول أمام المحاكم، وسيكون اللاجئون عرضة ًلمصادرة ممتلكاتهم، وبخاصة أولئك اللذين لا يحملون وسائل تعريف أساسية، التي هي ضرورية لتقديم طلب إثبات ملكية ولتعيين وكيل معترف به قانونياً في ما لو استطاع تحقيق تلك الاوراق والموافقات الأمنية جميعها خلال مدة أقصاها 30 يوماً.
وأضاف في حديثه للمرصد، إن مثل هذا القانون يطبق في دول تعيش حالة استقرار لا بلد سكانها نصفهم مهجرون وفيها أكثر من ربع مليون مفقود ومعتقل ومختفٍ، مؤكداً في الوقت ذاته (أن اللاجئ لن يعود إلى وطنه ما دام منزله قد صودر).
وفي ردّ منه على سؤال حول ما هو المطلوب لإجهاض هذا القانون قال (الكيلاني): يجب بدايةً الضغط على حلفاء النظام (إيران وروسيا) لإلغاء هذين القانونين 10 , 66، والأمر الآخر وبافتراض أن نظام الأسد وحلفاءه لا يستطيعون تحمل نفقات إعادة الإعمار في سوريا على الإطلاق، لذا لا بد من منع الدول المانحة من البدء في عملية إعادة الإعمار في سوريا حتى إلغاء تلك القوانين، وإلا ستكون تلك الأموال مشاركة في انتهاك حقوق الملكية وانتهاك حقوق الناس في سوريا، وتساهم في خرق القانون الدولي الإنساني.
جريمة تضاف إلى سجل جرائم نظام الأسد
وفي ظل ما جرت الإشارة إليه من عدد من الحقوقيين، إضافة إلى مخاوف بعض الدول من خطر القانون رقم 10 لعام 2018، بات من الواضح الجريمة التي يرتكبها النظام وأعوانه التي وصفتها مجموعة (القانونيين السوريين الأحرار) في مذكرتها بأنها (جريمة ضد الإنسانية تضاف إلى الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ويرتكبها، ويستعجل بدوره إخفاء الدمار بعمليات إعادة التنظيم وإجبار الدول على البدء بإعادة الإعمار قبل رحيله).
هذه الدراسة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.