تصاعدت التوترات بين الجزائر وفرنسا بعد سلسلة من الحوادث التي شملت ترحيل واعتقال مؤثرين جزائريين في فرنسا. وكانت الأزمة قد تفاقمت بعد أن قامت السلطات الفرنسية بترحيل المؤثر الجزائري على وسائل التواصل الاجتماعي نعمان بوعلام، المعروف باسم “دولامين”، والذي اتهم بالتحريض على العنف ضد الناشطين المعارضين للنظام الجزائري. إلا أن السلطات الجزائرية رفضت استقباله وأعادته إلى فرنسا، مما دفع السلطات الفرنسية إلى اعتقال المزيد من المؤثرين الجزائريين، ليصل عدد المحتجزين إلى ستة أشخاص.
في إحدى القضايا البارزة، ألقت السلطات الفرنسية القبض على الناشط المعروف باسم “عماد طنطان”، البالغ من العمر 31 عامًا، والذي يقيم في ضواحي غرونوبل جنوب شرق فرنسا. تم اعتقاله يوم الجمعة الماضي بعد نشره مقطع فيديو يُزعم أنه يشجع متابعيه على “الحرق، القتل، والاغتصاب على الأراضي الفرنسية”. وفقًا لمصادر الشرطة، تم القبض على عماد طنطان مع شقيقه التوأم، وخلال تفتيش منزلهما تم العثور على معدات تصوير استخدمت في إنتاج الفيديو المثير للجدل، والذي حصد أكثر من 800,000 مشاهدة قبل إزالته. وأدان وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو الفيديو علنًا، وشارك مقتطفات منه على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي مؤكدًا أنه “لن يمر شيء دون عقاب.”
وفي قضية منفصلة، وُضع المؤثر الجزائري الآخر، المعروف باسم “يوسف أ” البالغ من العمر 25 عامًا، والشهير على الإنترنت باسم “زازو يوسف”، في الحبس الاحتياطي في بريست بغرب فرنسا. وأكدت المدعية العامة كميل مياونسوني أن يوسف يواجه تهمة “التحريض العلني على عمل إرهابي” بعد نشره مقطع فيديو على تيك توك في 31 ديسمبر 2024، يحث فيه على أعمال عنف في كل من فرنسا والجزائر. كان يوسف يقيم في فرنسا بتصريح إقامة مؤقت، ومن المقرر محاكمته في 24 فبراير 2025. في حال إدانته، قد يواجه يوسف عقوبة تصل إلى سبع سنوات سجن وغرامة قدرها 100,000 يورو.
في تطور موازٍ، تصاعدت التوترات الدبلوماسية بشأن قضية الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال، المحتجز في الجزائر منذ نوفمبر 2024 بتهم تتعلق بتهديدات للأمن القومي. وانتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفض الجزائر الإفراج عن صنصال، واصفًا ذلك بأنه “يلحق ضررًا بسمعة الجزائر”، ودعا إلى إطلاق سراحه لأسباب إنسانية. وخلال اجتماع دبلوماسي في قصر الإليزيه، صرح ماكرون قائلاً: “الجزائر التي نحبها كثيرًا، والتي نتشارك معها العديد من الأشخاص والقصص، تضر بسمعتها من خلال منع رجل مريض بشدة من تلقي العلاج.” وأضاف واصفًا صنصال بأنه “مقاتل من أجل الحرية”، مطالبًا بإطلاق سراحه الفوري.
وردًا على تصريحات ماكرون، أعربت وزارة الخارجية الجزائرية عن “اندهاشها” من تصريحاته، ووصفتها بأنها “تدخل سافر وغير مقبول” في الشؤون الداخلية للبلاد. وأكدت الوزارة أن القضية تتعلق بـ “انتهاك وحدة التراب الوطني”، والتي تُعتبر جريمة بموجب القانون الجزائري.
أصدر المجلس الشعبي الوطني الجزائري، وهو الهيئة الأصغر في البرلمان، بيانًا أدان فيه تصريحات ماكرون، واصفًا إياها بأنها “تدخل صارخ” يقوض سيادة الجزائر وكرامتها. وأكد البيان أن الجزائر، التي عانت كثيرًا خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، ترفض بشدة أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية.
وجاء في البيان: “مثل هذه التصرفات تظل غير مقبولة من قبل الشعب الجزائري ولن تؤثر على مسارنا المستقل، بل ستزيد من تصميمنا على حماية سيادتنا وكرامتنا.” كما دعا البرلمان الجزائري فرنسا إلى احترام مبادئ العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل.
ومع تصاعد التوترات بين البلدين، تعكس هذه الأزمة المتنامية هشاشة العلاقة الدبلوماسية بينهما، حيث يواصل كل جانب تأكيد مصالحه الوطنية وسيادته.