أبو بكر الرمح
الملخص التنفيذي:
في ظل عالم يشهد تحولات جذرية متسارعة، برزت العنصرية كأحد أخطر الأوبئة الاجتماعية التي تهدد التماسك المجتمعي والسلم الأهلي. لم تعد هذه الظاهرة مقتصرة على أحداث معزولة، بل أصبحت نمطًا متكرّرًا في السياسات والخطابات والمؤسسات. فقد تصاعدت حدة العنصرية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، لا سيما في أوروبا مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، وفي شرقنا البائس حيث استُخدم الخطاب العنصري كأداة سياسية لتكريس الانقسام والتحكم بالسلطة.
تناقش هذه الورقة تصاعد العنصرية كوباء يهدد السلم العالمي من خلال المحاور التالي:
المحاور:
- المدخل
- المحور الأول: تحليل عالمي للظاهرة! أوروبا:
- صعود اليمين المتطرف!
- أمثلة من العام 2025
- الشرق الأوسط: سياسات وخطابات تعزز العنصرية
- أسباب العنصرية!
- أمثلة من العام 2025
- التحليل المشترك
- التأثيرات الاجتماعية
- التأثيرات الاقتصادية
- التأثيرات السياسية
- الحلول المقترحة
- التعليم والتوعية
- المسؤولية الاجتماعية للشركات
- التشريعات والقوانين الدولية
- المبادرات المجتمعية والثقافية
- خاتمة وتوصيات
المدخل:
يعكس هذا التصاعد المذكور آنفاً تشابكًا معقدًا بين عوامل اقتصادية، وسياسية، وثقافية، فضلاً عن تأثير التكنولوجيا ووسائل الإعلام التي غالبًا ما تروّج لخطابات الكراهية بشكل مباشر أو غير مباشر. في أوروبا، عمّقت أزمة اللاجئين وتبعات جائحة كوفيد/19 والتحديات الاقتصادية شعور المواطنين بعدم الأمان، مما مهّد الطريق لتنامي الخطابات القومية والشعبوية. أما في الشرق الأوسط، فقد أدى انهيار بعض الدول، وغياب العدالة الانتقالية، إلى ترسيخ أنماط من التمييز الطائفي والعرقي، خصوصًا في بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان.
تسعى هذه الدراسة إلى تحليل ظاهرة العنصرية من منظور عالمي مقارن، من خلال استعراض الأسباب، ورصد أبرز المظاهر والآثار، وتسليط الضوء على تجارب الدول المختلفة في مواجهتها. كما تهدف إلى تقديم توصيات واقعية قابلة للتطبيق، ترتكز على مداخل التعليم، والتشريع، والإعلام، والعمل الدولي المشترك، لبناء مستقبل قائم على قيم التسامح والمساواة والعدالة الإنسانية.
المحور الأول: تحليل عالمي للظاهرة!
أوروبا: صعود اليمين المتطرف
الأسباب:
- الأزمات الاقتصادية: تفاقمت المشكلات الاقتصادية التي أعقبت جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والتوتر الاجتماعي.
- فشل سياسات الاندماج: عجزت برامج الاندماج في تحقيق أهدافها، ما ساهم في تعزيز المشاعر السلبية تجاه المهاجرين.
- دور الإعلام: انتشار خطابات الكراهية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ما عزز الانقسامات الاجتماعية.
أمثلة من العام 2025:
- فرنسا: واصل حزب التجمع الوطني بقيادة “مارين لوبان” تصاعده بعد الانتخابات المحلية في أبريل 2025، حيث حصل على أكثر من 30% من الأصوات في الأقاليم الريفية والصناعية.
- ألمانيا: حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) حقق تقدمًا غير مسبوق بحصوله على المرتبة الثانية في الانتخابات، في تطور لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية.
- هولندا: حزب الحرية بقيادة “غيرت فيلدرز” أصبح من القوى السياسية الأكثر تأثيرًا، مع استمرار خطابه ضد الإسلام والهجرة.
- المجر: تواصل حكومة “فيكتور أوربان” حملاتها ضد اللاجئين، مدعومة بإعلام حكومي يروج لخطاب الكراهية.
الشرق الأوسط: سياسات وخطابات تعزز العنصرية
أسباب العنصرية!
- التوترات العرقية والدينية: النزاعات المستمرة التي تعمق الانقسامات الاجتماعية والطائفية.
- استخدام الخطاب العنصري: توظيف الحكومات والقوى السياسية للخطاب الطائفي لتشتيت الانتباه عن الأزمات الداخلية.
أمثلة من العام 2025:
- لبنان: أدى الدور السياسي لحزب الله إلى زرع الطائفية وتعميق الانقسامات، مما تسبب بشرخ كبير في المجتمع اللبناني.
- سوريا: بعد سقوط النظام، ازدادت حدة التوترات الطائفية، وظهرت تصرفات طائفية نتيجة سياسات النظام البائد وعصاباته السابقة.
- العراق: ما زالت الأقليات تعاني من التهميش سياسيًا واجتماعيًا رغم وعود الإصلاح. كما زادت الدعوات الطائفية بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة في سوريا، ما أدى إلى تصاعد التحريض ضد السنة في العراق.
التحليل المشترك:
ظاهرة العنصرية والتعصب باتت تستخدم كأداة سياسية وإعلامية تعمق الانقسامات وتزيد من احتمالات النزاع الداخلي، ما يستدعي إجراءات عاجلة لمعالجة هذه الظواهر من جذورها.
الجزء الثاني: الآثار المترتبة على التصاعد العنصري
- التأثيرات الاجتماعية
- تقويض التماسك الاجتماعي:
ازدادت حدة الانقسامات الاجتماعية، وظهرت في أوروبا من خلال الاحتجاجات العنيفة، وفي الشرق الأوسط عبر الصراعات الطائفية التي باتت جزءًا من الحياة اليومية في دول مثل لبنان والعراق وسوريا.
- انتشار العنف المجتمعي:
وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية (2025)، ارتفعت الاعتداءات العنصرية في أوروبا بنسبة 25% منذ 2020. وفي الشرق الأوسط، زادت أعمال العنف الطائفي والمذهبي، خاصة في العراق بعد تصاعد الخطابات الطائفية عقب التغيرات السياسية في سوريا.
- التأثيرات الاقتصادية
- تهميش الكفاءات:
أدى التمييز العنصري والطائفي إلى إقصاء شرائح واسعة من المجتمع عن سوق العمل، مما تسبب في خسائر اقتصادية كبيرة. أشار البنك الدولي في تقريره لعام 2025 إلى أن التمييز أدى إلى خسارة الدول المتضررة نحو 18% من إنتاجيتها السنوية.
- هجرة العقول والكفاءات:
تصاعدت معدلات هجرة الكفاءات من الدول التي تعاني من التمييز، مثل لبنان وسوريا والعراق، حيث انتقلت النخب المهنية والتعليمية إلى أوروبا وكندا وأستراليا بحثًا عن فرص أفضل وحياة أكثر استقرارًا.
- التأثيرات السياسية
- تعزيز الأنظمة الاستبدادية والطائفية:
استغلت الأحزاب والقوى السياسية العنصرية والطائفية كوسيلة لكسب التأييد، مما أدى إلى استمرار أو صعود أنظمة حكم استبدادية أو طائفية، مثل الحكومة الحالية في المجر أو القوى السياسية الطائفية في لبنان والعراق.
- توتر العلاقات الدولية:
أدى تصاعد العنصرية إلى توتر العلاقات بين الدول، كما حدث بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب سياسات الهجرة واللاجئين.
الجزء الثالث: الحلول المقترحة
- التعليم والتوعية
- دمج قيم التسامح في المناهج التعليمية:
تطوير مناهج دراسية عالمية تتضمن مبادئ التسامح والتنوع واحترام الآخر، بدعم من اليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى.
- حملات إعلامية دولية:
تنظيم حملات توعية عالمية عبر منصات التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية الكبرى لتسليط الضوء على مخاطر العنصرية وتشجيع الحوار الثقافي.
- المسؤولية الاجتماعية للشركات
- برامج إدماج الأقليات:
تشجيع الشركات العالمية الكبرى مثل Google وMeta وMicrosoft على إطلاق مبادرات وبرامج تدريبية تستهدف الأقليات والمهاجرين وتوفر فرص عمل متكافئة لهم.
- التشريعات والقوانين الدولية
- إنشاء إطار قانوني عالمي ضد العنصرية:
اقتراح تشريعات دولية صارمة تجرّم العنصرية وخطاب الكراهية، وتفرض عقوبات واضحة على الدول التي لا تلتزم بهذه القوانين.
- تأسيس محاكم دولية خاصة:
دعم الأمم المتحدة في إنشاء محاكم متخصصة في قضايا العنصرية على غرار محاكم جرائم الحرب.
- المبادرات المجتمعية والثقافية
- مؤتمرات ومسيرات عالمية:
عقد مؤتمرات ومسيرات دولية تجمع بين مختلف الأعراق والأديان لتبادل الخبرات وتعزيز التفاهم.
- استغلال الفن والإعلام:
دعم إنتاج أعمال فنية (أفلام وثائقية، موسيقى، مسرحيات) تهدف إلى التوعية بمخاطر العنصرية وتعزيز التسامح.
الجزء الرابع: خاتمة وتوصيات
تتصاعد ظاهرة العنصرية بشكل يهدد مستقبل المجتمعات الإنسانية واستقرار الدول. إن مواجهتها ليست مسؤولية فرد أو حكومة واحدة، بل تتطلب تحركًا دوليًا مشتركًا على مختلف المستويات.
توصيات استراتيجية:
- تفعيل التعاون الدولي:
تعزيز الشراكات بين الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بمكافحة العنصرية.
- مرصد عالمي لمكافحة العنصرية:
إنشاء هيئة عالمية مستقلة مهمتها الرصد المستمر لظواهر العنصرية وإصدار تقارير دورية تساعد في اتخاذ القرارات الدولية المناسبة.
- دور الإعلام الإيجابي:
تشجيع وسائل الإعلام الدولية على التركيز على قصص النجاح في تعزيز التنوع والتسامح، وتجنب الخطابات المثيرة للانقسامات.
- إطلاق يوم عالمي ضد العنصرية:
تخصيص يوم عالمي موحد يتم من خلاله نشر التوعية وإطلاق مبادرات جديدة تستهدف مكافحة العنصرية.
وفي الختام
العنصرية تحدٍ عالمي لا يواجه إلا بتضافر الجهود بين جميع دول العالم، والتزام مشترك باحترام التنوع وحقوق الإنسان. التسامح والتنوع هما أساس القوة والاستقرار في أي مجتمع، وبناء عالم متسامح يتطلب مشاركة الجميع.
“التنوع هو ما يجعلنا مميزين، والتسامح هو ما يجعلنا أقوياء.”