منذ بداية النزاع السوري، كانت تركيا لاعبًا رئيسيًا في صياغة مسار الأحداث داخل سوريا، حيث حاولت تحقيق أهدافها الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية. ومع سقوط نظام بشار الأسد، تبدو تركيا في وضع استراتيجي قد يمنحها نفوذًا كبيرًا، لكنه محفوف بالتحديات.
النفوذ التركي بعد الأسد
شهدت تركيا دورًا بارزًا في الإطاحة بنظام الأسد عبر دعمها للقوات المعارضة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام (HTS) والجيش الوطني السوري. هذا الدعم منح أنقرة موقعًا قويًا في صياغة مستقبل سوريا، خاصة مع تراجع نفوذ الأسد، مما أتاح لتركيا فرصة إعادة توجيه علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية.
مع ذلك، هذا النفوذ التركي ليس مطلقًا. هيئة تحرير الشام، التي كانت تعتمد بشكل كبير على الدعم التركي، بدأت الآن في تقليل اعتمادها على أنقرة مع تزايد اهتمام الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بإقامة علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق. هذا التحول يبرز القيود التي تواجهها تركيا في إدارة نفوذها داخل سوريا.
التحديات الإقليمية
من بين أبرز التحديات التي تواجه تركيا في سوريا هو الملف الكردي. تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) تهديدًا وجوديًا لأمنها القومي، حيث ترى فيها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK). ومع انهيار النظام السوري، تسعى أنقرة لاستخدام حلفائها السوريين لمواجهة هذه الجماعات. ومع ذلك، فإن هذه الجهود قد تضع تركيا في مواجهة حرب عصابات طويلة الأمد في سوريا والعراق، وهي معركة أثبتت صعوبة حسمها على مدى العقود الماضية.
الرهانات الاقتصادية والجيوسياسية
تركيا تعمل أيضًا على تعزيز دورها الاقتصادي في سوريا من خلال خطط إعادة الإعمار وتوسيع التجارة الثنائية. تسعى أنقرة إلى تحقيق تجارة تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار مع سوريا في المستقبل القريب، مما يجعلها شريكًا طبيعيًا في إعادة بناء البلاد بعد سنوات الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا تسعى إلى تحقيق مكاسب في البحر الأبيض المتوسط عبر اتفاقيات محتملة مع الحكومة السورية الجديدة لإنشاء منطقة اقتصادية حصرية (EEZ). هذا المسار يهدف إلى تعزيز نفوذ تركيا في المنطقة، ولكنه يثير قلق القوى الإقليمية الأخرى مثل اليونان وقبرص وإسرائيل.
التحديات الدولية
على الساحة الدولية، تواجه تركيا معضلة في الحفاظ على التوازن بين القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة. ففي حين تلعب تركيا دور الوسيط مع روسيا في ليبيا وسوريا، فإنها تواجه منافسة مباشرة مع موسكو على النفوذ في كلا المنطقتين.
ختامًا: الفرص والمخاطر
بينما تبدو تركيا في موقع يسمح لها بلعب دور محوري في صياغة مستقبل سوريا، فإن هذا الدور محفوف بالتحديات. الانقسامات الداخلية في سوريا، والتوترات مع القوى الإقليمية والدولية، والمخاطر الاقتصادية تجعل الطريق أمام تركيا مليئًا بالتعقيدات.
مع ذلك، إذا استطاعت أنقرة توظيف مواردها بحكمة وبناء علاقات مستدامة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، فقد تتمكن من تحويل هذه التحديات إلى فرص تعزز من مكانتها كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة.