من درعا بدأت، فهل منها تنتهي المأساة السورية التي بدأت في آذار 2011، وخلّفت دماراً أتى على أكثر من نصف سورية، وكيف؟
بعد انتهاء الأعمال العسكرية في ريف دمشق، وإعلان النظام السوري سيطرته الكاملة عليه، بعد أن فقدها أكثر من أربع سنوات، باتت الأنظار تتوجه إلى الجنوب السوري، الملف الأصعب والأعقد، بالنظر إلى حجم القوى الدولية المتدخلة فيه، فقد كان بشار الأسد كان واضحاً في حديثه الأخير حول المنطقة الجنوبية، إذ اعتبر (أنه في حال لم تنجح المفاوضات فإن التحرك العسكري سيكون خياراً بديلاً. اليوم، شارفت التجهيزات والتحشيدات على الانتهاء، ولم يبقَ إلا إعلان بدء الهجوم، مع ملاحظة أن ثمة عوامل عدة تؤثّر في تحديد الساعة الصفر).
إذاً، قرار النظام مع حلفائه قد اتخذ باتجاه معركة الجنوب، فالحشود التي استُقدِمت تشير إلى أن المفاوضات الأولية أصبحت في مراحلها النهائية، وسواء فشلت أم نجحت، فهي ستنتهي قريباً، ولكن سيناريو النهايات يبقى غامضاً ومجهولاً.
النظام السوري يسعى إلى حشد أكبر قوة ممكنة لاستثمارها في اتجاهين، الأول هو البقاء على جاهزية لبدء العملية العسكرية، والثاني هو الضغط على قوات المعارضة، وداعميهم، لتحريك المفاوضات التي يخوضها الجانب الروسي معهم، واستعادة المنطقة من دون معركة كبيرة.
السيطرة على معبر نصيب، وإبعاد إيران هو الهدف..
في ما يأتي تسخين الجبهة الجنوبية الغربية، تمهيداً لمعركة النظام السوري والقوات والميليشيات التابعة له ولإيران الذين تحايلوا على اتفاق أميركي- روسي مزعوم بوجوب انسحابهم من هذه المنطقة، عبر «تنكرهم» بلباس قوات النظام السوري، هدفه السيطرة على معبر نصيب مع الأردن، الحيوي لاقتصاده المهتز منذ إقفاله، عن طريق استعادة النظام وحلفائه لمنطقة درعا من قوات المعارضة وفصائل «الجيش السوري الحر» التي ما زالت تحتفظ برقعة جغرافية واسعة فيها. مع نية السيطرة على هذه الرقعة عبر القضم، تدور المناورات فيها بين الدول المعنية بالحرب على منع الميليشيات المدعومة إيرانياً من توسيعها نحو محافظة القنيطرة، ومنع المواجهات في الجهة الغربية من الجنوب السوري. هذا مغزى التحذيرات الأمريكية من توسيع المعركة. ومن هنا جاء الإصرار الإسرائيلي على انسحاب الإيرانيين وميليشياتهم إلى مسافة 80 كيلومتراً عن الحدود مع الجولان السوري المحتل. ويساند الجانب الروسي وجهة النظر هذه، لالتزامه ضمان أمن إسرائيل، وهي نقطة التقاطع الرئيسة مع واشنطن. وبات التوافق الدولي على إبعاد الإيرانيين عن الحدود مع الجولان غطاء كبيرًا للغارات الإسرائيلية في العمق السوري ومحيط دمشق.
وقد غيّر مبدأ حماية حدود سورية مع إسرائيل قواعد الاشتباك فباتت الضربات الإسرائيلية تجري «بصمت» مخالف لضجيج التصدي السوري والإيراني لها كما حصل قبل 3 أشهر.
صارت الضربات تحصل في وضح النهار، وتطاول مستودعات الصواريخ في العمق البعيد تحت شعار حماية الحدود التركية مع سورية.
تجري أيضاً تحركات عسكرية لرجب طيب أردوغان في الشمال، وحتى الاتفاقات بينه وبين الأمريكيين على تسلم قواته مدينة منبج، المعبر الحيوي في الشريط الحدودي، من القوات الكردية. ولولا حيوية هذا المعبر لما كان سهلاً عودة الوئام الأمريكي التركي بدوريات مشتركة هناك، تمهيداً لحل مماثل في مدينة تل رفعت يقضي بسحب قوات النظام منها والميليشيات الموالية لإيران منها.
التمهيد السياسي قبل العسكري:
مهّد النظام السوري سياسياَ، قبل البدء بالعمل العسكري وذلك بمحاولات الوصول إلى مصالحات مناطقية كمعاملات انضمام بلدات الريف الغربي والشرقي التي خرجت عن سيطرة النظام منذ سبعة أعوام إلى مسيرة المصالحات. فهي كانت جاهزة لكنها لم تنجح.
وقد شكّلت استعادة الشيخ مسكين قبل عامين بداية انقلاب موازين القوى في المنطقة الجنوبية لمصلحة النظام السوري الذي استغل الوقت لتحصين مواقعه وحضوره مِن دون خوض معارك جديدة أو مكلفة كان آخرها في حي المنشية في درعا قبل عام، فضلاً عن تحييد الأرياف معظمها المحيطة بدرعا وبطريق درعا دمشق، مروراً بإزرع والصنمين حيث يحشد المجموعات الأساسية لقواته في الفرقة الخامسة والتاسعة والسابعة والخامسة عشر. وقد عمل النظام السوري على توسيع دائرة المصالحات التي ألقى فيها آلاف المقاتلين سلاحهم، أو بمحاصرة مَن يعاند ويرفض أو يعرقل تلك المصالحات.
خلافات فصائل الجنوب للمعارضة، قد تؤثر في نتيجة المعركة:
يندرج المقاتلون في الجنوب السوري في خمسين فصيل مقاتل، يبلغ تعدادهم عشرة آلاف منظّمين حالياً ويمكن أن يصل التعداد لثلاثون ألفاً في حال تم إعلان النفير بحسب تنسيقيات الفصائل المعارضة في الجنوب (ثمة من يظن الأعداد أكثر كثيراً)، يخطط النظام السوري وحلفاؤه لمواجهتهم في عمليته العسكرية التي سيتقدم فيها من ثلاثة محاور.
فالخلافات الكبيرة والاقتتال في صفوف المعارضين “الجيش الحر” والنصرة، عطلت إمكان قيام هذه المجموعات بأي هجوم ضد مواقع النظام السوري، حتى قبل ضم المنطقة الجنوبية لاتفاقات خفض التصعيد برعاية روسية ــ أمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الذي أرادت منه واشنطن الحد من النفوذ الايراني في الجنوب على حدود الجولان السوري.
فالخسارات الكبيرة التي لحقت بالبيئة الحورانية بعد مقتل آلاف من أبنائها، في معارك عاصفة الجنوب وغيرها أدت إلى استنزافها وإلى أزمة الحشد في صفوف المجموعات المقاتلة من أجل استئناف الحرب. فمنذ هزيمة عاصفة الجنوب عام 2015، جُمِّدت غرفة عمليات الموك بقرار أمريكي. وهذا التجميد فضلاً عن اقتتال الفصائل في ما بينها، قد يسهل موضوعياً تقدم النظام في أرياف المحافظة وبخاصة بعد الوصول إلى معبر نصيب والسيطرة على الحدود.
ومع استعادة الغوطة الغربية في ريف دمشق بداية هذا العام من النظام السوري، جرى تحييد العامل الإسرائيلي إلى حدود كبيرة بقطع الطريق على مجموعات المعارضة المقاتلة من الاتصال بالجيوب المعزولة في مناطق الغوطة الغربية، في زاكية والطيبة ومغر المير وخان الشيح من أجل تهديد العاصمة دمشق وخطوط إمداد النظام نحو ريف القنيطرة.
في تفاصيل الإعداد للبدء بالعمل العسكري:
وصلت التعزيزات العسكرية للنظام السوري، من آليات عسكرية وراجمات صواريخ ومدرّعات إلى مدينة درعا مع تشكيلات من الفرقة الرابعة، المخابرات الجوية، وقوات من الحرس الجمهوري التي استقرت في مطار خلخلة المُطل على منطقة اللجاة.
فخلال الأيام السابقة القليلة، لجأ النظام السوري إلى توجيه ضربات محدودة إلى مراكز المعارضة ونقاطهم في الريف الشرقي لدرعا، وتحديداً في بصر الحرير وناحتة ومليحة العطش، إضافة إلى منطقة اللجاة. كما عمدت المعارضة أيضاً إلى استهداف سيارة تابعة للنظام السوري، بصاروخ موجّه، ما أدى إلى مقتل أربعة عسكريين كانوا على متنها. إذ كان واضحاً أن فصائل المعارضة هناك يتصرفون على أساس أنهم لا يريدون معركة، وهم يحاولون الرد على ضربات النظام بضربات محدودة أيضاً، خوفاً من جرّهم إلى مواجهة كبرى. وأيضاً قاموا بقصف بعض نقاط تحشّد النظام في الريف الشرقي لدرعا، إضافة إلى قصف مدينة السويداء بقذائف أدت إلى وفاة ثلاثة أشخاص وإلى خسارات المادية في مدينة السويداء.
وكان واضحاً أن الروس قد طلبوا من النظام السوري أن تكون تحركاته وتحشيداته علنية لاستثمارها في الضغط على المعارضين المفاوضين، في ما حاول الداعمون الخارجيون، وتحديداً الأردن وأمريكا، إقناع فصائل المعارضة بأن المفاوضات ما زالت جارية، وأن هنالك جهداً يقومون به لمنع المعركة.
وهنا تشير مصادر مُسرّبة من الروس، إلى أنه «ما زال هنالك أمل في مفاوضات، وإن كانت حظوظ نجاحها قد بدأت تتدنى بنسبة كبيرة، إلا أن توقيت الهجوم لم يحدد بعد، ما يدلُّ على سعي الروس، بالتنسيق مع دمشق، إلى استنفاد كامل المحاولات قبل البدء بالعمل العسكري».
وبالحديث عن المفاوضات، فإن المصادر الروسية نفسها أكدت أن الأمريكيين كانوا قد قدّمواً طرحاً للحؤول دون العمل العسكري في الجنوب، «يقضي بأن يتقدّم عناصر الدرك الأردني، الموجودون على الجهة الأخرى من معبر نصيب (جابر)، إلى داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى ما بعد منطقة النعيمة، وتحديداً على الأوتوستراد الدولي مقابل الغارية الغربية، ليصبح المعبر هناك». وفي هذه الحالة، تصبح المنطقة جنوب المعبر منطقة «آمنة» لحركة قوات المعارضة بين الريفين الشرقي والغربي.
وبانتظار معجزة ما لإنجاح المفاوضات، ووقف الهجوم العسكري للنظام، فقد قُسّمت محاور الهجوم التي سيعمل عليها النظام السوري إلى اتجاهين، الأول سيكون من الريف الغربي للسويداء، وتحديداً من القرى التي تحدّ منطقة اللجاة وبصر الحرير والريف الشرقي لدرعا. أما الاتجاه الثاني، فسيكون المناطق التي يسيطر عليها النظام في مدينة درعا وشمالها، وتحديداً من الجهة المقابلة لليادودة التي تقع في منتصف الطريق بين مدينة درعا والمزيريب، نحو المزيريب ثم إلى الحدود الأردنية، وذلك لعزل درعا عن الحدود مع الأردن.
نشر النظام السوري مدافع في المنطقة الشرقية من درعا، والغربية من جهة السويداء، وتحديداً في صما وحرّان وعريقة، وهي قرى شرق اللجاة، وتقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة السويداء. ومنذ أيامٍ تقدم النظام باتجاه كتيبة عسكرية على أطراف المسيكة في الريف الشرقي لدرعا، وسيطر عليها، إلا أن قوات المعارضة استعادوا السيطرة عليها لاحقاً. وفي اليوم نفسه، قصفت المعارضة تجمّعات النظام السوري في القرى المحيطة بالمنطقة، وتحديداً في منطقة كتيبة الكيمياء، شرقي اللجاة. والمعلومات الواردة تؤكّد أن الهدف من العملية هو الوصول إلى الحدود الأردنية، وبالتالي قطع الطريق بين الريفين الشرقي والغربي لمدينة درعا.
تؤكّد المعلومات الواردة من الريف الغربي لدرعا أنه سيجري التحرك أيضاً، إلا أن النظام لن يعمد إلى الاحتكاك مع الجانب الإسرائيلي، ولن يقترب من الحدود كثيراً، وذلك منعاً للاستفزاز، ومن ثم عدم منح الإسرائيلي فرصة للتأثير في مسار العملية هناك. ويذكر أنه عندما يسيطر النظام السوري على المزيريب والمنطقة المحيطة بها، يصبح خط التماس من الغرب مع «جيش خالد»، المبايع لتنظيم داعش.
وعلى الجانب الآخر من الجبهة، بدأت قوات المعارضة تعدّ العدة، وجهّزت غرف عمليات ومرابض وغير ذلك من مستلزمات المعركة. وهنالك تحركات يقوم بها المقاتلون ليظهروا استعدادهم للمعركة. وقد شكِّلَت «غرفة العمليات المركزية للجبهة الجنوبية» التي تضم غرف عمليات عدة أنشئت في المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة كافة. كذلك هناك تبادل الاتهامات بين الفصائل الجنوبية على خلفية انسحابهم من محيط قرية صما الهنيدات في الريف الغربي للسويداء، بعد دخولهم بساعات، إذ تعرضت البلدة لقصف مكثف من النظام السوري، خلّف دماراً كبيراً.
وفد عسكري روسي في السويداء ..
حضر إلى محافظة السويداء يوم الأربعاء 20-6-2018, وفد عسكري روسي برئاسة ضابط برتبة لواء، والتقى في مبنى المحافظة، مع مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز ووجهاء من المحافظة ورجال دين مسيحيين، ومسؤولين أمنيين وحزبيين.
وكان الاجتماع لمناقشة الأوضاع الداخلية في محافظة السويداء والتطرق إلى الجهات المسلحة الفاعلة على الأرض من الفصائل المحلية، إضافة إلى بحث في أوضاع الريف الغربي وحماية المدنيين فيه خلال العمليات العسكرية الأخيرة.
وأوضح الروس خلال اللقاء، تصورهم عن وجود منظمات إرهابية في محافظة السويداء، من الفصائل المحلية ومن ضمنهم حركة رجال الكرامة أو مجموعة البلعوس كما أسماها الروس، وطلب الروس خلال اللقاء من المجتمعين تقديم جداول بأسماء تلك الفصائل والطلب منهم إجراء مصالحة وتسوية وضعهم، على أن تُسلّم الجداول خلال ثلاثة أيام.
إلّا أن الوفد الموجود من وجهاء السويداء ومشايخها، أوضح للروس وجود بعض المفهومات الخاطئة التي تحدث عنها الجانب الروسي, إذ نفوا لهم وجود أي تنظيمات إرهابية في محافظة السويداء, وشرحوا الأسباب التي دفعت أهالي محافظة السويداء إلى حمل السلاح وهو الحماية الذاتية.
وأكدوا للوفد العسكري الروسي، بأنه لا يوجد في السويداء فصائل إرهابية، ولم تكن السويداء يوماً حاضنة للإرهاب، بل يوجد فصائل شكلت للدفاع عن الأرض والعرض.
أما عن التقارير الكاذبة والوهمية التي كانت تُكتَب خلال السنوات الماضية فهي من أسمت تلك المجموعات بالإرهابيين.
ولكن، يوجد مجموعات غير قانونيّة مارسوا الخطف وأسماؤهم معروفة للجميع وبخاصة للأجهزة الأمنية أو الدولة، لا يجوز إدراجهم في طلبات المصالحة، بل يجب محاكمتهم.
ودار الحديث في الاجتماع أيضاً، عن أوضاع الريف الغربي خلال العمليات العسكرية الأخيرة وسبل توفير الحماية للمدنيين من أبناء الريف الغربي خلال التطورات الأخيرة التي تعيشها المنطقة.
ومن الجدير ذكره، أن حركة رجال الكرامة، تعتبر من أكبر التشكيلات العسكرية في محافظة السويداء التي أخذت موقف الحياد من الصراع الدائر في سورية، وأكدت في مرات كثيرة أن وجودها هو للدفاع عن أراضي محافظة السويداء من أي اعتداء مُحتمل.
ورفضت الحركة أي مشروعات لتقسيم البلاد وأكدت دائماً مبادئها الإنسانية ووحدة البلاد بطوائفها وأطيافها كلها، فضلاً عن أنها ساهمت في تجنيب أهالي محافظة السويداء الصراع الدائر في البلاد وحافظت على الحياد خلال سنوات الحرب.
هذه الدراسة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد.
حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي.