هذا الشهر، استأنف الاتحاد الأوروبي وتركيا ما يُسمّى بـ”الحوار رفيع المستوى” بشأن علاقاتهما الاقتصادية للمرة الأولى منذ ست سنوات. عُقدت المحادثات في بروكسل، وقادها من الجانب الأوروبي فالديز دومبروفسكيس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمفوض المسؤول عن الاقتصاد، ومفوضة التوسيع مارتا كوس، ومن الجانب التركي وزير المالية محمد شيمشك. هدف الاجتماع كان إعادة فتح قنوات التواصل وتعميق التعاون الاقتصادي بعد سنوات من التوترات السياسية وتعثر مفاوضات الانضمام.
في بيان مشترك، شدّد الطرفان على أهمية بناء العلاقات الثنائية على القيم المشتركة. وجاء في البيان: “يجب أن تكون علاقتنا مسترشدة بمبادئ مثل سيادة القانون، والديمقراطية، وحرية الإعلام، وحماية حقوق الإنسان”. وأضاف البيان أن الجهود الجادة والموثوقة في هذه المجالات تُعد “أساسية لتطوير الشراكة مستقبلًا”.
وأشارت المفوضية الأوروبية في بيان منفصل إلى أن المحادثات شملت “نقاشًا صريحًا” حول التطورات الداخلية الأخيرة في تركيا، وتحديدًا أشارت إلى “الاعتقالات الأخيرة لممثلين منتخبين” – في إشارة ضمنية إلى الاضطهاد القضائي الذي يتعرض له أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول وأحد أبرز قادة المعارضة في حزب الشعب الجمهوري. ويُعد إمام أوغلو على نطاق واسع المنافس الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، وقد تعرض لضغوط قضائية متزايدة في الأشهر الأخيرة. إن سجنه أو منعه من العمل السياسي سيُعد في نظر الكثيرين داخل الاتحاد الأوروبي نكسة كبرى للديمقراطية في تركيا.
ورغم ذلك، يرى المراقبون أن استئناف الحوار يُعد محاولة حذرة من الطرفين لإحياء التعاون البراغماتي رغم الخلافات السياسية. وبالنظر إلى التحديات الجيوسياسية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط، يحرص الاتحاد الأوروبي على عدم فقدان تركيا كشريك اقتصادي ولاعب أمني. أما أنقرة، فترغب في إحراز تقدم في المحادثات المتعثرة منذ فترة طويلة بشأن تحديث الاتحاد الجمركي وتخفيف متطلبات التأشيرة للمواطنين الأتراك. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحوار سيسفر عن نتائج ملموسة.
وكانت هذه المحادثات الوزارية وغيرها قد توقفت قبل سنوات بسبب النزاع بين تركيا وقبرص حول موارد الطاقة في المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة. قبل عام، قرر المجلس الأوروبي استئناف العلاقات مع تركيا بطريقة “متدرجة، متناسبة، وقابلة للعكس”. ومع ذلك، بعد اعتقال إمام أوغلو، صدرت دعوات من البرلمان الأوروبي — بما في ذلك من الليبراليين — لإلغاء المحادثات. لكن المفوضية أصرت على المضي قدمًا، مشددة على أن مثل هذه القنوات ضرورية للتأثير على أنقرة. في الوقت نفسه، ألغت مفوضة التوسيع مارتا كوس مشاركتها في منتدى أنطاليا للسياسات ولقاءً مخططًا له مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان. وقال متحدث باسم المفوضية: “في ضوء التطورات المثيرة للقلق مؤخرًا، يجب أن نعيد معايرة انخراطنا بحذر”.
رغم الأزمة السياسية الداخلية المستمرة، تواصل الحكومة التركية برئاسة الرئيس رجب طيب أردوغان جهودها لتعميق تعاونها الاستراتيجي مع الاتحاد الأوروبي. أنقرة تُظهر نيتها في تعزيز روابطها الاقتصادية والأمنية مع الاتحاد — رغم تصاعد التوترات الداخلية. وعلى وجه الخصوص، يجري استكشاف مجالات جديدة للتعاون في قطاع الصناعات الدفاعية. وقد ذكر مسؤولون أتراك مبادرات تكنولوجية مشتركة، ومشروعات بحثية، ودمجًا أقوى في سلاسل التوريد الأوروبية.
كما يُعد استئناف الحوار الاقتصادي رفيع المستوى مع الاتحاد الأوروبي إشارة إيجابية للمستثمرين الدوليين. ففي الأوساط الاقتصادية، أثار موجة القمع الأخيرة — خصوصًا الاستهداف القانوني لعمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو — قلقًا واسعًا. ويرى المستثمرون الغربيون أن إقصاءه السياسي يمثل مؤشرًا على مزيد من تآكل سيادة القانون — وهو عامل قد يضر بشكل كبير بمناخ الاستثمار.
وقد بدأ تأثير التصعيد الداخلي في الظهور. في البداية، كان من المقرر أن تُمثّل جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (TÜSİAD) — والتي تُعتبر تقليديًا صوت القطاع الليبرالي الموجه للتصدير — في وفد شيمشك إلى بروكسل. لكن، وقبل السفر مباشرة، فُرض حظر سفر على رئيس الجمعية. ويُعتقد أن السبب هو تصريحات انتقد فيها تراجع سيادة القانون واستقلال القضاء.
وقد أثار هذا الإجراء قلقًا دوليًا. ففي أوساط الاتحاد الأوروبي، يُنظر إليه كمثال آخر على القمع المنهجي لحرية التعبير والحرية الاقتصادية في تركيا. وفي الوقت نفسه، يثور التساؤل حول مدى إمكانية بناء شراكة اقتصادية وثيقة في ظل هذه الظروف — خاصة وأن العديد من صانعي القرار الأوروبيين يؤكدون أن التقارب الاقتصادي يجب أن يترافق مع إصلاحات سياسية.
ومع ذلك، يظل الحوار ذا أهمية استراتيجية لكلا الطرفين. ففي ظل البيئة الجيوسياسية المتوترة — وخصوصًا فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا واستقرار الشرق الأوسط — تُعد تركيا لاعبًا أساسيًّا، سواء كقوة أمنية أو كمركز للطاقة واللوجستيات. وتسعى أنقرة إلى الاستفادة من هذا الدور لإعادة ترسيخ نفسها كشريك موثوق رغم القمع الداخلي المستمر.
وفي هذه الأثناء، تم اعتقال أحد عشر شخصًا في تركيا بسبب دعوتهم إلى إضراب استهلاكي عام ليوم واحد — وهو شكل احتجاجي جديد دعمه، شأنه شأن احتجاجات أخرى، حزب الشعب الجمهوري بقيادة إمام أوغلو. وقد أطلق هذا الإضراب طلاب بهدف تطوير أدوات جديدة للاحتجاج بعد إرهاق الشارع، والحفاظ على الضغط على الحكومة. في أحياء إسطنبول التي يسيطر عليها حزب الشعب الجمهوري، بدت المتاجر والمقاهي والمطاعم أقل ازدحامًا من المعتاد. أما في باقي الأماكن، فاستمرت الحياة كالمعتاد. وردّت الحكومة بحملة مضادة: حيث تم تصوير عدة وزراء وهم يتسوقون في الأماكن العامة، متهمين حزب الشعب الجمهوري بأنه يعمل ضد المصلحة الوطنية. والهدف الأوسع هو تجريم الحركات الاحتجاجية.
وبالإضافة إلى الإضراب الاستهلاكي ليوم واحد، وسّع حزب الشعب الجمهوري نطاق مقاطعته لتشمل شركات محددة موالية للحكومة. فقد أعلن زعيم الحزب، أوزغور أوزال، أن البلديات التي يقودها حزبه لن تشتري بعد الآن مركبات من شركتي فولكسفاغن وأودي. وحث جميع أعضاء الحزب على الانضمام إلى المقاطعة. والسبب: في تركيا، يتم توزيع هذه العلامات التجارية عبر مجموعة دوغوش، التي تمتلك أيضًا قناة NTV الموالية للحكومة — وهي شبكة يتهمها الحزب بعدم تغطية الاحتجاجات بشكل كافٍ. وأوضح أوزال أنه سيوجه رسالة إلى مجلس أعمال شركة فولكسفاغن لحثهم على إيجاد موزع جديد في تركيا.