سيكون للهيئة الدينية التي تديرها الدولة التركية، وهي رئاسة الشؤون الدينية (ديانات)، القول الفصل من الآن فصاعدًا في تحديد أيِّ تفاسير القرآن مسموح بها في البلاد، وأيِّها غير مسموح. إذ يمنحها قانون جديد، نُشِر في الجريدة الرسمية، صلاحيات رقابية واسعة: فيمكن حظر ومصادرة بل وإتلاف ترجمات القرآن والنصوص الدينية التي لا تتماشى مع التفسير الرسمي للإسلام الذي تعتمده الدولة.
ما يجعل هذا التشريع مثيرًا للجدل بشكل خاص هو نطاقه الواسع. إذ لا يقتصر على المواد المطبوعة، بل يشمل أيضًا المحتوى الرقمي — بما في ذلك المنشورات الإلكترونية، والبودكاست، ومقاطع الفيديو، والكتب الصوتية. كما أنّ الطعون القضائية ضد هذه القرارات لن يكون لها أيُّ أثر إيقافي. ويُبرَّر هذا القانون بأنه وسيلة لـ«الدفاع عن الخصائص الجوهرية للإسلام».
ويعتبر المنتقدون أن هذا القانون انتهاك جسيم لحرية المعتقد الديني وخطوة حاسمة نحو احتكار الدولة لتفسير العقيدة الإسلامية. وحذّر عالم اللاهوت البارز مصطفى أوزتورك، المعروف بتفسيراته التاريخية والسياقية للقرآن، قائلًا: «إنه نهاية التعددية اللاهوتية في تركيا. ديانات لم تعد تروّج للفهم الروحي، بل تفرض سيطرة سياسية على الإسلام».
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد حاول في السابق توسيع صلاحيات «ديانات» عبر مرسوم رئاسي، لكن المحكمة الدستورية التركية قضت بعدم دستورية تلك الخطوة. أما الآن، فقد أُدرِجت الإجراءات نفسها ضمن حزمة تشريعية أوسع، تزيد بدرجة كبيرة من نفوذ «ديانات» في الحياة العامة.
وبموجب هذا القانون الجديد، خُوِّلت «ديانات» تقديم الإرشاد والخدمات الدينية في المدارس، وسكن الطلاب، والمستشفيات، والسجون، ومراكز الشباب، وملاجئ الطوارئ. وستستهدف الهيئة أيضًا مجموعات مثل المهاجرين، ومدمني المخدرات، وضحايا الكوارث، لتقديم «الإرشاد» الديني لهم.
وقد أثارت هذه التطورات معارضة قوية في الأوساط العلمانية بتركيا، حيث يرى كثيرون فيها مسعىً لطمس — بل في نهاية المطاف لمحو — الخط الفاصل بين الدولة والدين. فمنذ سنوات يسعى أردوغان لتحقيق رؤيته في «تنشئة جيل تقيّ»، إلا أنّ النهضة الدينية المنشودة لم تتحقق.
وتُظهر دراسة حديثة لمعهد «كوندا» التركي المرموق للأبحاث أنّ الاتجاه يسير بالعكس: إذ يبتعد مزيد من الأتراك عن الدين المؤسسي. ففي عام 2008، وصف 55٪ من المستطلَعين أنفسهم بأنهم متديّنون، أما اليوم فقد انخفضت النسبة إلى 46٪. بينما تضاعفت نسبة المعرِّفين أنفسهم بأنهم ملحدون أربع مرات، من 2٪ إلى 8٪.
ويرى المنتقدون أن هذه الأرقام تؤكد فشل التدين المفروض من قِبل الدولة. ويقول عالم الاجتماع تانر يلدز: «بدلًا من تعزيز الإيمان، تولّد الدولة انعدام الثقة». مضيفًا أن «ديانات» باتت تمثل ليس سلطة دينية بل أداة توجيه سياسي — وهي تفقد مشروعيتها في نظر المجتمع.
وبإقرار هذا القانون، كرّست الحكومة التركية احتكار تفسير الإسلام — مغلقة بذلك باب حرية الاعتقاد، والنقاش اللاهوتي، وتنوع الفكر.