بقلم: أحمد هريدي
ليست تونس مجرد شريك آخر للاتحاد الأوروبي على الضفة الجنوبية للمتوسط. بل إنّ هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا يؤدي دورًا محوريًّا في سياسات أوروبا المتعلقة بالهجرة والأمن. فمنذ يوليو 2023، اعتمدت بروكسل على شراكة بقيمة 900 مليون يورو مع الرئيس قيس سعيّد، تهدف رسميًّا إلى استقرار الاقتصاد التونسي وتحديث هياكل الدولة. إلا أن هذه الاتفاقية، في واقع الأمر، هي صفقة للسيطرة على الهجرة: أوروبا تدفع، وتتوقّع من تونس أن تتصرف كخط دفاع أمامي، يغلق طرق الهجرة عبر المتوسط.
ومؤخرًا، خطت المفوضية الأوروبية، بقيادة أورسولا فون دير لاين، خطوة جديدة في هذا الاتجاه، إذ اقترحت إدراج تونس على قائمة “البلدان الآمنة المنشأ” في الاتحاد الأوروبي — وهو قرار سياسي يحمل تبعات بعيدة المدى. فطالبو اللجوء القادمون من بلدان تُصنَّف على أنها “آمنة” يواجهون إجراءات لجوء مُعجّلة، وفرصًا ضئيلة للحصول على الحماية، وترحيلًا سريعًا. والرسالة الضمنية هنا: تونس بلد لا يواجه فيه أحد اضطهادًا سياسيًّا. لكن هذا التصوّر يتناقض تمامًا مع الواقع على الأرض.
ففي اللحظة نفسها التي قُدّم فيها هذا الاقتراح، كان نحو أربعين رجلًا وامرأة يمثلون أمام القضاء في تونس، بتهمة التآمر على أمن الدولة. ويقول مراقبون إن المحاكمة كانت استعراضية وذات دوافع سياسية. المتهمون هم: نشطاء حقوقيون، معارضون، صحفيون، وأعضاء في المجتمع المدني — أي أشخاص وجّهوا، بشكل أو بآخر، انتقادات للرئيس سعيّد. هذا الحاكم السلطوي يواصل منذ شهور قمع المعارضين، وسجنهم، وتقديمهم للمحاكمات بتهم مفبركة في كثير من الأحيان.
وتُسلّط هذه المحاكمة ضوءًا كاشفًا على الوضع الداخلي في تونس: القضاء يتسيّس بشكل متزايد، وسيادة القانون تتآكل، وحرية التعبير تتعرض لهجمات شديدة. وإعلان بلد كهذا “آمنًا” بموجب قوانين اللجوء الأوروبية لا يُعدّ فقط ضربًا من السخرية، بل يهدد أيضًا مصداقية القيم الجوهرية للاتحاد الأوروبي.
وهذا يضع الاتحاد الأوروبي في مأزق: فهو بحاجة إلى شركاء في شمال إفريقيا للسيطرة على الهجرة، لكنه في المقابل يخاطر بتمكين الأنظمة السلطوية وغض الطرف عن اضطهاد المعارضين السياسيين. فليست تونس شريكًا استراتيجيًّا فحسب، بل هي أيضًا خطر سياسي. والسؤال الحقيقي هو: كم من سيادة القانون يمكن أن تضحي بها أوروبا لتقوية حدودها الخارجية؟
المتهمون في هذه القضية يمثلون طيفًا واسعًا من المجتمع التونسي: سياسيون ليبراليون وإسلاميون، رجال أعمال، صحفيون، وأعضاء في المجتمع المدني. ويُزعم أن العقل المدبّر للمؤامرة المزعومة هو رجل أعمال كانت له صلات سابقة بالديكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي. وشملت قائمة المتهمين أيضًا نسويات.
واسم واحد في قائمة المتهمين أثار غضبًا خاصًّا: المفكر الفرنسي برنار-هنري ليفي. ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد وُجّهت إليه تهم تتعلق بـ”الماسونية” وبالارتباط بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، وأنه سعى لاختراق الدولة التونسية وزعزعة استقرارها.
وقد جرت المحاكمة إلى حد كبير خلف أبواب مغلقة. ووفق تقارير محلية، لم يُتْلَ حتى نص لائحة الاتهام في المحكمة. وفي إجراءات سريعة، أصدرت المحكمة أحكامًا قاسية: تراوحت عقوبات السجن بين 13 و66 سنة. وحُكم على ليفي غيابيًّا بالسجن 33 عامًا.
احتجّت عائلات المتهمين، إلى جانب منظمات المجتمع المدني، بشدّة. وتداولوا مصطلحات مثل “جنون”، و”حكم سياسي”، و”اغتيال قضائي” لوصف نتيجة المحاكمة. وكتب وزير تونسي سابق وناشط حقوقي: “هذه المحاكمة إهانة لعقولنا، وصفعة في وجه العدالة، وبصقة على سيادة القانون.”
وقال المحامي التونسي البارز أحمد صواب أمام الكاميرات إن من شعر بـ”سكين على رقبته” خلال الجلسة لم يكن المتهمون، بل القاضي نفسه، ثم قام بحركة تُجسّد قطع الحلق. وبسبب ذلك، اعتُقل صواب ووُضع في الحبس الاحتياطي بتهمة “أعمال إرهابية”.
ويصرّ زملاؤه المحامون على أن صواب لم يكن ينوي تهديد القاضي، بل كان يعبّر عن حقيقة سياسية: الرئيس قيس سعيّد هو من أصدر لائحة الاتهام الغامضة والفضفاضة، ومارس الضغط على المحكمة لإصدار أحكام قاسية.
وتُجسّد هذه المحاكمة المناخ المتصاعد من القمع في تونس. فبعد انتخابه في 2019، علّق سعيّد عمل البرلمان في 25 يوليو 2021، وأقال رئيس الوزراء، وشكّل حكومة جديدة. ثم سيطر لاحقًا على الجهاز القضائي. وفي يوليو 2022، وسّع صلاحياته بشكل كبير من خلال استفتاء شعبي. واليوم، تحذر أصوات المعارضة من أن تونس عادت إلى الأوضاع السلطوية التي كانت سائدة في عهد بن علي، الديكتاتور الذي أُطيح به خلال الربيع العربي في 2011.
وفي أوساط الاتحاد الأوروبي، اعتُبرت الشراكة مع تونس نموذجًا لصفقات مماثلة أُبرمت مؤخرًا مع موريتانيا ومصر ولبنان. وقد تم التوصل إلى هذه الصفقة بوساطة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، بالتنسيق مع أورسولا فون دير لاين. ويبدو أن الصفقة أعطت ثمارها بالنسبة للاتحاد الأوروبي: فقد انخفض عدد المهاجرين الذين يغادرون تونس باتجاه إيطاليا عبر المتوسط بشكل ملحوظ، سواء من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء أو من التونسيين أنفسهم.
والآن، يتعيّن على دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي أن يقرّروا ما إذا كانوا سيوافقون على اقتراح المفوضية بإدراج تونس ضمن قائمة البلدان الآمنة على مستوى الاتحاد. وإذا حدث ذلك، فستظهر تونس على القائمة إلى جانب الدول المرشحة رسميًّا للانضمام إلى الاتحاد (باستثناء أوكرانيا)، وكذلك كوسوفو، وبنغلاديش، وكولومبيا، ومصر، والهند، والمغرب. وقد صنّفت عشر دول أعضاء في الاتحاد تونس بالفعل كبلد آمن على المستوى الوطني. وهذا يعني عمليًّا أن طلبات اللجوء المقدمة من تونسيين تُعالَج بإجراءات سريعة، مع فرص ضئيلة للنجاح. فقد بلغت نسبة قبول طلبات اللجوء لتونسيين في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي 4٪ فقط في عام 2024.
وتُقرّ المفوضية بأن تونس تشهد قمعًا للمعارضين السياسيين والأقليات الجنسية، لكنها تستنتج أن هذا لا يرقى إلى مستوى “الاضطهاد المنهجي”. ولذلك، تؤكّد أن “السكان بشكل عام في تونس لا يواجهون، من حيث المبدأ، خطر الاضطهاد أو الأذى الجسيم”. كما تشدّد على أن كل طلب لجوء سيظل يُقيّم على أساس فردي.