تم الإعلان منذ أيام قليلة على التمديد في حالة الطوارئ في تونس الى غاية جوان 2021.. وتمنح حالة الطوارئ وزارة الداخلية صلاحيات استثنائية تشمل منع الاجتماعات وحظر التجوال وتفتيش المحلات ليلا ونهارا، ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية وغيرها. وهذه الصلاحيات تطبق دون وجوب الحصول على إذن مسبق من القضاء التونسي، الأمر الذي يواجه بانتقادات دولية ومحلية متزايدة.
وينص الفصل 24 من الدستور التونسي على حق المواطنين في اختيار مكان إقامتهم، وحرية التنقل داخل البلاد، والحق في مغادرة البلاد. وعلاوة على ذلك، ينص الفصل 49 من الدستور على أن: القانون يحدّد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أوالصحة العامة، أو الآداب العامة. بالإضافة إلى ذلك، ينص الدستور على أن هذه القيود “يجب أن تكون متناسبة مع الهدف المقصود”. ومع ذلك، فإن تونس لم تنشئ بعد محكمة دستورية، مما يعني أنه من المستحيل حاليا الطعن في دستورية الإجراء S17 في المحاكم والذي تضرر منه الاف التونسيين…
ويتنزل اجراء S17 ضمن سجل الإجراءات الادارية الوقائية الهادفة لمقاومة الإرهاب. يمنع هذا التصنيف مواطنين تونسيين تتعلق بذمتهم شبهات الانتماء إلى تنظيمات إرهابية أو تبييض الأموال من مغادرة التراب التونسي أو من السفر من ولاية إلى أخرى داخل تونس. ويدعى الاجراء بـ “الاستشارة قبل المغادرة”، لكنه فعليا لايتعلق بالاستشارة بقدر ما ينص على الحدّ من التحركات بين الولايات والمدن والمنع من التحول خارج تونس ضمن الية قيود الحركة على التنقل والسفر. بقية الاجراءات الأخرى، تتعلق كذلك بالتنقل لكنها تختلف في مستوى درجة التصنيف. وهذا الإجراء الذي بوبته وزارة الداخلية ضمن إستراتيجيتها الوطنية لمقاومة الإرهاب، والحد من سفر الشباب إلى “بؤر التوتر” منذ 2013، تصفه منظمات حقوقية محلية ودولية بغير الدستوري، وبانتهاكه لأبسط حقوق الأفراد في التنقل بحرية، سواء داخل تونس أو خارجها، كما أن المحكمة الإدارية أقرت بعدم شرعيته، لكن رغم ذلك تواصل الأجهزة الأمنية في البلاد تطبيقه على الأفراد بشكل تعسفي.
اجراء قمعي
ويعتبر الاجراء S17 هو أكثرها تداولا في تونس، حيث تضرر منه آلاف المواطنين، وهو عبارة على استشارة يقوم بها عون الأمن اثناء عبور المواطن الخاضع لهذا الاجراء، لكنه تحول بعد ذلك إلى أوامر صريحة بحظر السفر رغم غياب أي حكم قضائي بذلك.
وحرف S في الاجراء المعروف ب S17 يعني قائمات التدابير الأمنية الاستثنائية SIGNAL وعددها 21 تتعلق بالمتهمين أو المشتبه بهم في قضايا الإرهاب والمخدرات والاتجار بالبشر والدعارة أوالعائدين من بلدان تصنفها تونس كبؤر التوتر. وتتراوح التصنيفات من الحد من التنقل الى الاقامة الجبرية.
S17 و S19 هي تدابير وقائية تشمل العائدين من بؤر التوتر.
S16 هو اجراء سيادي يهم الأجانب المتعلقة بهم شبهات أو تهم.
S18 هو رمز تدابير المراقبة الأمنية ويعني أن صاحبه تحت المراقبة.
S1 هي مراقبة التحركات، S6 هو رمز اجراء التفتيش الدقيق في المطارات ومعابر المدن والموائن ونقاط العبور وغيرها.
وفي هذا الاطار، قدمت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في وقت سابق تقريرا حول إجراءات المراقبة الإدارية التابعة لوزارة الداخلية التونسية في اطار سياسة مكافحة الإرهاب. وأكدت المنظمة ان تلك التدابير تعتبر اعتباطية، مبينة انها ساهمت بشكل كبير في تدمير حياة الأشخاص الخاضعين لها، لا سيما وانها غير قانونية ولا يعلم بها الشخص الخاضع لها، الا اثناء إيقافه للتاكد من هويته او خلال مروره عبر المعابر الحدودية.
وقالت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب تلك الإجراءات غير قانونية وغير دستورية وتتعارض مع الدستور التونسي ومبادئ حقوق الانسان وحرية التنقل، معتبرة أنه من غير المعقول اخضاع مواطن لإجراء معين دون حكم قضائي ودون التمتع بحقه في الطعن. في المقابل تظلم المتضررون من مختلف الاجراءات الرقابية لدى المحكمة الإدارية التي أصدرت بدورها أكثر من 800 حكم بإلغاء هذه التدابير في حقهم نظرا لعدم استنادها لأي مرجع قانوني، لكن وزارة الداخلية لم تتعامل مع هذه الاحكام بجدية.
ولم تفصح وزارة الداخلية عن قائمة أو عن عدد المواطنين تحت طائلة هذه الإجراءات، إلا أن شبكة الملاحظ للعدالة التونسية أوردت في تقرير نشرته في وقت سابق الى خضوع 100 ألف مواطن تونسي للإجراء الحدودي S17 فقط دون احتساب بقية الإجراءات، مما يعني أن عدد الخاضعين لمختلف الإجراءات يتجاوز هذا العدد.
وحسب منظمة مناهضة التعذيب، فان هناك من فقد عمله بسبب كثرة الاستدعاءات والحد من حريته في التنقل وهناك من تم عزله اجتماعيا بسبب كثرة المداهمات، وهناك من عُزل في محيطه العائلي والاجتماعي بعد وصمه بالإرهاب دون حكم قضائي وفيهم من لم يدخل السجن يوما واحدا وكان اخضاعه إلى هذه التصنيفات مستندا إلى تقارير امنية تتحدث عن لباسه ولحيته ومع من يجلس في مقهى الحي.
S17 واستغلال قانون الطوارئ
وغالبا ما تعتمد عناصر الشرطة على هذه التصنيفات من اجل القيام بمداهمات وعمليات تفتيش واستجواب مواطنين دون أذون قضائية. ولم تشمل هذه التدابير المشتبهين أو العائدين من بؤر التوتر أو الذين سجنوا سابقا بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب فقط، وإنما شملت أيضا مقربين أو إخوة أو أصدقاء لمن كانوا متهمين بالإرهاب في السابق. وفوجئ عدد من الأشخاص بإخضاعهم لإجراء S17 أو غيرها من الإجراءات التي تتبعها الداخلية فقط بسبب علاقة قرابة أو صداقة بأحد المشتبهين بالإرهاب، وليس بالضرورة لأحد الموقوفين على ذمة قضايا إرهابية.
من جهتها حافظت وزارة الداخلية على نفس التعامل في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بهذه التدابير غير القانونية، فهي في نفس الوقت تستغل قانون الطوارئ لسنة 1975 والذي اتفق الجميع على عدم دستوريته وفي نفس الوقت تتعهد بمراجعة هذه المنظومة (منظومة التصنيف الاعتباطي) احتراما لحقوق الانسان وحرية تنقل المواطنين. وتبرر الداخلية استعمالها لهذه الاجراءات باتباعها للاستراتيجية الوقائية الوطنية لمكافحة الإرهاب وإلى سلطتها التقديرية التي تخوّل لوزير الداخلية مراقبة جولان الأشخاص بكامل تراب الجمهورية ومنها الحدود الترابية والبحرية ومباشرة الشرطة الجوية حسب احكام الفصل 4 من الأمر عدد 342 لسنة 1975 المؤرّخ في 30 ماي 1975.
غياب معايير التصنيف
ولا توجد إحصائية رسمية بعدد ضحايا الإجراء الحدودي، فيما تتحاشى وزارة الداخلية الحديث عن هذا الإجراء والمشمولين به، لكن منظمات حقوقية في تونس على غرار “مرصد الحقوق والحريات” الذي يعد مقره ملجأ لآلاف الأشخاص من ضحايا هذا الإجراء، تقول إن عددهم يتجاوز 100 ألف شخص بين ذكور وإناث.
ويؤكد مرصد الحقوق والحريات بتونس، ان قرابة 50% من المشمولين بالإجراء الحدودي “أس 17” (S17) لم تطأ أقدامهم مراكز الشرطة ولم يسافروا خارج التراب التونسي ولم يصدر ضدهم أي قرار قضائي، ولكنهم رغم ذلك وجدوا أنفسهم مصنفين تحت هذه “الاستشارة الأمنية” بغير علمهم، بحسب ما وثقه المرصد.
ويقر المرصد بعدم دستورية هذا الإجراء الذي تحول لعصا غليظة في يد الداخلية لفرض انتهاكات جسيمة ضد الأفراد داخل البلاد وخارجها خصوصا من المشمولين بالعفو التشريعي العام من ضحايا النظام السابق.
وتكون التبريرات التي تقدمها الجهات الإدارية بوزارة الداخلية إثر مراسلتها من قبل المحكمة الإدارية التي يتظلم عندها المئات من ضحايا هذا الإجراء الأمني، إما تحت غطاء حالة الطوارئ التي لا تزال سارية المفعول، أو تحت منظومة مكافحة الإرهاب أو مراسيم وزارية تعطي للجهات الأمنية سلطة الضبط الإداري تحت غطاء الحماية الأمنية وفرض النظام العام.
ويجهل القضاة والمحامون والأسر، على حد السّواء، كلّ ما يمتّ إلى معايير التّصنيف بصلة. ويبقى الغموض قائما في غياب كليّ لأيّ قرار قضائي. كما أنّ إدانة عشرات الآلاف من الأشخاص بناءَ على قرار إداري، مع غياب القرائن أو القرارات القضائية، تطرح معضلة جدّية. كما ندّد المحامون بهذا القرار التّعسّفي في حين أبدى بعض القضاة والقاضيات اعتراضا محتشما. يجدر هنا التّذكير بأنّ هذا التصنيف يتعارض مع مقتضيات الفصل 24 من الدّستور. لكن كيف يمكن إثبات ذلك في ظلّ غياب محكمة دستورية ؟