هيئة التحرير
لم تقف حركة النهضة هذه المرة عند حدود المطالبة بتوسيع الائتلاف الحاكم فحسب، بل انتقلت إلى الدرجة الثانية مباشرة معتمدة على الشكل التصعيدي من أجل فرض مطلبها القاضي بإشراك «قلب تونس» في الحكومة. وقد بدت الحركة في آخر بيان صادر عنها خلال الأسبوع الماضي، مستاءة إلى أبعد حد من تصريحات رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ المتعلق بالحكومة، والذي قال فيه إن الحكومة ليست حكومة النهضة؛ بل أن هذه الأخيرة هي حزب من جملة الأحزاب المشكلة للائتلاف. وبالتالي فإنه متمسك برفض مقترحها الداعي إلى توسيع الائتلاف الحاكم، وضم حزب «قلب تونس».
وقد جاء في بيان حركة النهضة أن المكتب التنفيذي للحركة قد عقد اجتماعه الدوري برئاسة راشد الغنوشي، وخصّصه «لتدارس المستجدات السياسية والوضعين الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد، وعدد من القضايا الحزبيّة الدّاخلية». معبراً عن استيائه من بعض ما ورد في الحوار الأخير لرئيس الحكومة من حديث عن مجلس نواب الشعب، ورئيسه، رئيس «الحزب الأكبر المزكي للحكومة». وأضاف البيان أن الحركة «إذ تتمسك بقناعتها التامة بحاجة البلاد الماسة إلى توسيع الحزام السياسي للحكم من أجل القيام بالإصلاحات الضرورية ومواجهة مطالب التنمية ضمن توافق وطني واسع، فإنها تهيب بكلّ القوى والفعاليات الوطنية دعم الحكومة وإعطاءها الفرصة للإنجاز، ومواجهة تحديات الإصلاح بروح البذل والعطاء، التي عبّر عنها الشعب في مواجهة الجائحة».
ودعت «النهضة» إلى «انتهاج الحوار كسبيل أوحد لمواجهة التداعيات الاقتصادية الاجتماعية لوباء كورونا، وذلك بإشراك الأحزاب البرلمانية والمنظمات الوطنية في وضع خطة إنعاش اقتصادي من أجل تعبئة الموارد، وتحقيق الوحدة الوطنية، والتضامن الوطني المطلوب. ومثل بيان حركة النهضة خطوة تصعيدية في خطابها، حيث تمت الإشارة في محتواه إلى تمسكها بالحوار لحلّ هذه الأزمة، ما يعني عدم استعدادها لإسقاطها مبدئياً، خصوصاً أنها تنوّه بما حققته في حربها على كورونا.
وحتى اجتماع إلياس الفخفاخ بكتلة حركة النهضة لم يفضِ إلى التوافق في خصوص مسألة التوسيع، عكس ما روج له؛ حيث أفادت مصادرنا من صلب رئاسة الحكومة أن ما قاله «الفخفاخ» في آخر ظهور له هو نفسه الموقف الحالي ولم يتغير… وبين ذات المصدر أن رئيس الحكومة التقى كتلة حركة النهضة وتحاور معهم في مواضيع عدّة من بينها توسيع الائتلاف الحاكم. وقد تم التأكيد على أنه ليس هناك أيّ داعي في الوقت الحالي لإدخال أية تحويرات، مبينا أنه بعد تقييم عمل الحكومة، وفي حال اتضح أن هناك مواطن نقص، فسيتم التوجه حينها إلى التغيير والتوسع.
الحركة متمسكة بتوسيع الائتلاف
وفي اتصال جمعنا برئيس كتلة حركة النهضة نور دين البحيري، افادنا أن «مقترح حركة النهضة بتوسيع الائتلاف الحاكم ليس له علاقة بموقف الحركة من هذا الحزب او ذاك». وقال إنه «مبني على قراءة للواقع ووعي بالمخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي تهدد البلاد التي يقر بها كل أعضاء الحكومة». واكد أن هذا الوضع وهذا الظرف يفرض علينا مزيد التضامن ونزيد من الوحد ليس بين الأطراف المساهمة في الحكم وفي المجالس المنتخبة فقط، بل بين كل التونسيين من أحزاب ونواب ومنظمات كبرى وشخصيات وطنية ومجتمع مدني وإعلام. فالبلاد على حد تعبيره مقبلة على حرب أخرى تتمثل في شبح الانهيار الاقتصادي والمالي والأمني.
وحسب البحيري، فإنه وخلال اجتماعهم برئيس الحكومة عبر لهم هذا الأخير عن مشاركتهم هذا الوعي وهذه المخاوف والحاجة إلى التضامن… لكن رئيس الحكومة يعتبر أن المطلوب هو تعزيز الائتلاف الحالي وتقويته وخوض التجربة، باعتبار أن كل الفترة الفارطة كانت مخصصة لمواجهة الكورونا، وإذا تبين بعد مدة أن هناك حاجة إلى مزيد التوسيع فسيتم في وقته، وقال رئيس كتلة حركة النهضة أن ما تختلف فيه حركة النهضة مع رئيس الحكومة، هو أن واقع البلاد ينص على أنه لا يجب أن نتردد أو نتأخر في توفير شروط النجاح في هذه الحرب. مشدداً على أن هناك منظومات مهددة بالانهيار على غرار الصحة والتعليم والنقل وضع مالي خطير جدا، نسبة بطالة مرتفعة جداً وحديث عن إمكانية وصول نسبة التنمية الى إلا 7 بالمائة.
وإن هناك إصلاحات يجب أن تتم ولا يجب أن تظل مكتوفي الأيدي في انتظار وقوع الأسوأ. ومن يخوض الحرب على حد قوله يجب أن يجمع الجميع حوله. وقال إن النهضة مع السياسة الادماجية ليس مع الأحزاب فقط؛ وإنما مع المنظمات الوطنية الكبرى على غرار اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين… وسياسة الأبعاد والاقصاء حسب البحيري لها آثار سلبية خطيرة… وشدد البحيري على أن الحركة متمسكة بتوسيع الائتلاف وكل يوم يزيد اقتناعها أن البلاد في حاجة الى وحدة وطنية واسعة. مبيناً أنهم يعولون على وعي زملائهم بالمصلحة الوطنية ويعولون على وعيهم بضرورة العمل الجماعي لتجاوز صعوبات المرحلة، فالشعوب تقود الحروب موحدة على قلب رجل واحد لتنتصر… وسياسة الإقصاء لا يمكن أن تحقق النجاح في أية حرب؛ ونفى البحيري أن تكون مساعي النهضة هدفها إبعاد حركة الشعب من الحكومة، موضحاً أنهم مع تعزيز وتدعيم الائتلاف الموجود وتوضيح الرؤية بينهم.
وفيما يتعلق بمسألة تلويح حركة النهضة بالانسحاب من الحكومة في حال تم التمسك برفض مقترحها القاضي بالتوسيع، أفادنا «البحيري» أن تلك مجرد مصادرة للمستقبل وقراءات من بعض المحللين لم تصرح بها الحركة… وبين أنه لم يصلوا بعد الى مرحلة اليأس من التفاوض، ولكن في حال رفض المقترح فإن مؤسسات الحركة ستجتمع وتقرر وسيكون وقتها لكل حادث حديث.
الحزب الأول في الحكم والثاني في المعارضة
وحول هذا الموضوع، قال النائب بلقاسم حسن، عضو المكتب السياسي لحركة النهضة، إن توسيع الحزام السياسي للحكومة عن طريق توسيع قاعدتها النيابية، هو لصالح الحكومة، وليس لصالح حركة النهضة، مؤكداً أن رفض رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لمقترح الحركة لن يغير موقفها. وأضاف أن الفخفاخ عبّر لحركة النهضة عن اقتناعه بأن التوسيع أفضل لكنه يفضّل في الوقت الحالي عدم الإقدام على هذه الخطوة ومواصلة العمل بالتركيبة الحالية للحكومة، وذكر بأن وثيقة التضامن الحكومي التي لم يقع الإمضاء عليها إلى حد الآن ضمّنت فيها حركة النهضة نقطة تتعلق بنيّة توسيع الائتلاف الحاكم، من أجل ضمان قاعدة برلمانيّة مريحة للحكومة تسهّل تمرير مشاريع القوانين. وهو ما ترفضه أحزاب الائتلاف الحاكم الأخرى ورئيس الحكومة، الذى أكد أنه لا مكان لقلب تونس في حكومته. وقد تم حذف هذه النقطة التي تدافع عنها حركة النهضة من نص الوثيقة التي عرضها الفخفاخ منذ ماي الفارط على شركاء الحكم بهدف مزيد تدعيم التضامن فيما بينهم. وقال بلقاسم حسن أن غايتهم من المقترح هو ان تكون كل القوى البرلمانية يدا واحدة أمام من يستهدف النظام السياسي في البلاد، وأن تكون الأغلبية البرلمانية والحكومية متجانسة… وأكد أن حركة النهضة ليست في مناكفة مع حركة الشعب والتيار الديمقراطي، ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، وإنما ترمى إلى إقناعهم بأن توسيع الائتلاف الحكومي، الهدف منه تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية. وأشار الى أن النهضة لم تطلب خروج حركة الشعب ليحلّ محلّها حزب قلب تونس بل تطلب إضافة وزراء إلى تركيبة هذه الحكومة وتوسيعها للمصلحة العامّة، معتبراً أنه من حقّ الحزب الثاني في البرلمان، وهو قلب تونس أن يكون في الحكم، مبينا أنه لا يستقيم أن يكون الحزب الأول في الانتخابات في الحكم والحزب الثاني في المعارضة.
خدمة مصالحها السياسية
في المقابل؛ جدد الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي، رفض حزبه مغادرة ما سماها «حكومة الرئيس»، مؤكداً عدم إدخال أي تغيير على تركيبة الائتلاف الحاكم. ووضع النهضة بين خيارين، إما سحب وزرائها؛ أو الذهاب إلى البرلمان لسحب الثقة من حكومة الفخفاخ. وقال إنّه من غير المنطقي المطالبة بتوسيع الائتلاف الحاكم دون تقييم أداء الحكومة لمدّة كافية، مضيفا بأنّ الحكومة الحالية وفّقت في جائحة كورونا التّي فاجأتها أيّام قليلة بعد تسلّمها الحكم وأخرجت منها البلاد بأقلّ الأضرار. وأشار ذات المصدر إلى أنّ استعمال كلمة توسيع الائتلاف الحاكم لخدمة مصالح سياسية لا يخدم مصلحة البلاد، ومن دعا لهذا الأمر يرغب في ضمان ديمومته في هذه الحكومة ورفع الضّغط عليه حاصّة من قبل الكتلة الديمقراطية، وفق قوله. وبين النائب بأنّ حركة النّهضة تتعامل معهم كعدّو ايديولوجي في حين أنّهم يعتبرونهم طرف سياسي فاعل في البلاد رغم أنّهم لم يقدّموا أيّة انجازات ملموسة لفائدة البلاد طيلة سنوات. كما شدّد على أنّ الحكومة تعمل بشكل متناسق ومتناغم وهذه الخلافات هي برلمانية وليست حكومية، ودعا حركة النّهضة لضرورة تعديل أوتارهم واختيار مكانهم في الحكم أو في المعارضة. وقال المغزاوي إن «حركة الشعب ستواصل التعبير عن موقفها الرافض لوضع حركة النهضة قدما في السلطة، وقدما في المعارضة، إلى جانب التصدي لانخراطها في أجندات قطر وتركيا الخارجية»، وفق تعبيره.
واكد «المغزاوي» أن حركة النهضة لم «تغفر» لحركة الشعب إزاحتها من الحكم وجعلها شريكة فيه. معتبرا الحكومة في الطريق الصحيح، وليس هنالك من داع لتغييرها. وقال إن من يريد إسقاط الحكومة عليه استعمال الآليات القانونية الدستورية التي تكفل ذلك. وأضاف أن حكومة الفخفاخ لا تسقط بقرار رئيس حركة النهضة الانسحاب منها أو سحب تأييد نوابها للحكومة، مضيفا أن حكومة الرئيس تسقط في حالة واحدة هي أن تسحب منها الثقة من قبل 109 نواب.
عبث سياسي
وفي السياق ذاته، أكد عضو مجلس نواب الشعب، و القيادي في حزب التيار الديمقراطي، هشام العجبوني، أن حركة النهضة في ضغطها الذي تُمارسه من أجل توسيع الائتلاف الحاكم لا تبحث عن التوافق، بل هو حق اريد به باطل، حسب تعبيره. و قال «العجبوني» أن هدف حركة النهضة، أو بالأحرى هدف شقّ من شقوقها، لم يكن أبدا البحث عن التوافق الواسع و المصلحة الوطنية و غيرها من الشعارات المعدة للاستهلاك الداخلي والخارجي بقدر ما هو السعي إلى نقل الأغلبيّة البرلمانية المتشكّلة داخل مكتب المجلس من الثلاثي، حركة النهضة، قلب تونس، ائتلاف الكرامة، إلى داخل الحكومة، وبالتالي تعويم وزن رئيس الحكومة والأحزاب المساندة له، وتحديدا حركة الشعب والتيار الديمقراطي، وكذلك ضمان بقاء رئيس الحركة راشد الغنوشي على رأس البرلمان بعد الدعوات المتكرّرة لسحب الثقة منه. وشدد العجبوني أن ما زاد عنه فهو مجرد تفاصيل. خاصة وأنه لا داعي لتغيير الحكومة التي تجرأت حسب قوله، وفتحت ملفات لم تتجرأ أيّة حكومة سابقة على فتحها. وأكد أن توسيع دائرة الحكم تكون نتيجة لتقييم عمل الحكومة، بعد مائة يوم عمل، وبالتالي فإن ما ذهبت إليه حركة النهضة هو مجرد عبث سياسي يرفضه التيار الديمقراطي.
يشار إلى أن حركة النهضة، أعادت طرح موضوع توسيع تركيبة الحكومة الحاليّة، بعد أن صوّت حزب حركة الشعب في البرلمان مع اللاّئحة التي قدّمتها كتلة الحزب الدستوري الحر، والتي تنص على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا.
وكان رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، قد صرح في حواره الأخير على قناة «نسمة» أن ما شهدته جلسة الأربعاء 3 جوان 2020، تحت قبة البرلمان، من أن أحزاب حاكمة تعارض بعضها بعضاً، لم يكن مشهداً طبيعياً، ولا يمكن أن يستمر طويلا. فتصويت حركتيّ (الشعب، وتحيا تونس) ضد حركة النهضة، ليس أمراً طبيعياً، لذلك من المنتظر أن تحصل تطورات في بُنية الحكم، للوصول إلى وضع طبيعي تلتقي فيه الأغلبية البرلمانية مع الأغلبية الحكومية. وقال الغنوشي إن الثقة اهتزت بين مكونات الائتلاف الحاكم، وقد أطلقت الدعوة إلى التغيير والذهاب إلى وضع طبيعي يكون فيه اللقاء بين أحزاب متشابهة، قائمة على برنامج ويدعم بعضها بعضاً.
وأمام تمسك الفخفاخ وبقية أحزاب الائتلاف، (الشعب، تحيا تونس، والتيار الديمقراطي)، برفض مقترح التوسيع، فإن «النهضة» لم تعد تملك حلولاً لفرض مقترحها، غير الانسحاب من الحكومة أو إسقاطها في البرلمان.