هيئة التحرير
تصاعد التوتر بين رئيس النظام السوري، “بشار الأسد” من جهة، وذراعه الاقتصادية وابن خاله، “رامي مخلوف”، من جهة أخرى، بات ينم عن حرب مفتوحة داخل العائلة الحاكمة في سوريا منذ نصف قرن، وفقاً لما يؤكده مصدر خاص من داخل بنية النظام، لمرصد مينا، لافتاً إلى أن الخلاف المذكور يمثل جزءاً من سلسلة خلافات مشابهة بين أركان وأفراد العائلة، والتي قد تؤدي بشكل أو بآخر إلى نهاية حقبة آل الأسد السياسية.
ما لم تفعله الثورة قد يفعله المقربون
صمود النظام بشكلٍ أو بآخر أمام الثورة السورية، لا يعني قدرته على الصمود أمام الانشقاقات والصراعات العائلية، كما يقول المصدر الخاص، مضيفاً: “خلال الثورة كانت العائلة تستقوي على الشعب بتكاتفها، أما اليوم فهم يستقوون على بعضهم البعض، ما يعني أن البيئة الحضنة للنظام والتي يمثلها العلويون، ستنقسم على نفسها في حال تصاعدت تلك التوترات وخرج المزيد منها إلى العلن.
وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت خلال الأيام القليلة الماضية، عن وقوع عمليات تصفية وتسريح من الخدمة واعتقالات للعديد من الضباط العلويين، على خلفية أزمة “الأسد-مخلوف”.
في السياق ذاته، يوضح المصدر: “خطر الأزمة الحالية ودخول العائلة في حالة الصراع، يكمن في أنه قد يدفع داعمي الأسد، وتحديداً روسيا، الباحثة عن المزيد من الاستقرار، إلى إعادة التفكير في نظرتها إلى مدى كفاءته وقدرته على أن يسيطر على البلاد في الفترات اللاحقة، كما انه يطرح على الطاولة مدى قدرة العلوية السياسية على الاستمرار، في ظل تصدع الطائفة وانشقاقها وتنوع الولاءات فيها”، لافتاً إلى أن الروس ومبدأ السياسة الروسية يقوم على طرح قصى درجات الاستقرار في مناطق نفوذها، كما هو الحال في الشيشان ورابطة الدول المستقلة، وهو ما لا يتوفر حالياً في شخص “بشار الأسد”.
وسبق للملحق العسكري الروسي السابق في دمشق، والذي واكب عملية توريث “بشار الأسد” للسلطة، أن أكد على مسألة أهمية الاستقرار الأمني والسياسي في سوريا بالنسبة لروسيا، في حين اعتبر السفير الروسي السابق في سوريا، “ألكسندر أكسينيونوك”، أن سياسات وتصلبات “الأسد” تتعارض مع مصالح روسيا.
كما يعتبر المصدر أن “الأسد” يقف الآن أمام امتحان القدرة على ضبط الأمور داخل الدائرة الضيقة، بعد فشله في الامتحان الأول، المتمثل بقمع المعارضة وتحقيق النصر العسكري بشكل منفرد، وهو ما يمثل فرصة أخيرة له أمام الروس، لاقناعهم بأنه لا زال يمسك بخيوط اللعبة.
صندوق الأسد الفارغ
توقيت الخلافات الحالية، بحد ذاته، يمثل تضاعفاً للخطر على إمكانية استمرار “آل الأسد” في الحكم، حيث تشير الباحثة في مركز “تشاتام هاوس” للأبحاث في لندن، “لينا الخطيب”، إلى أن صندوق أدوات “بشار الأسد”، لمواجهة الأزمة العائلية الحالية، بات فارغاً، وأصبح حكمه أكثر عرضة للخطر من أي وقت في السنوات التسع الماضية من الحرب، كونه أصبح يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني والروسي، في ظل فقدان الموارد والشرعية الدولية، وحتى القوة العسكرية التي كان يملكها قبل الحرب.
وتشير مصادر المعارضة السورية إلى أن النظام فقد خلال السنوات الأربع الأولى من الحرب 135 ألف من قواته العسكرية، في حين أشارت بيانات الاستخبارات الفرنسية إلى أن الطائفة العلوية فقدت نحو ثلثي شبابها القادرين على حمل السلاح خلال الفترة ذاتها.
الخلافات الداخلية وما يدور حول النظام حالياً، يعطي بحسب المحلل السياسي، “داني مكي” شعوراً بأن “الأسد” لم يعد مسيطراً على البلاد، واصفاً ذلك بأنه الأكثر خطورة وتحديا من أي فترة في الحرب بأكملها، وأن “الأسد” ما لم يتمكن من إيجاد حلول، فلن يحكم أبداً سوريا المستقرة، على حد قوله.
حرب مفتوحة ونتائج متباينة
على الرغم من أن الخلافات داخل العائلة ليست جديدة، خلال حكم “آل الأسد” لسوريا، إلا أن الكاتب “ريتشارد سبنسر”، يرى أن تفاصيل التوتر الحاصل حالياً وخروج خلافات “رامي مخلوف” و”بشار الأسد” إلى العلن بهذا الشكل، هو أمر نادر الحدوث، خاصةً في نظام مخابراتي كالنظام السوري.
وشهدت سوريا في ثمانينيات القرن الماضي، صراعاً على السلطة بين رأس النظام السابق، “حافظ الأسد” وشقيقه، “رفعت”، والذي انتهى بنفي الأخير خارج البلاد، ومنعه من دخول البلاد بشكل نهائي، بسبب محاولته الانقلاب على حكم شقيقه مستغلاً حالته الصحية المتردية.
هنا يشير المصدر الخاص، خلال حديثه مع مرصد مينا، إلى انعكاس تبدل الظروف الراهنة داخلياً ودولياً، على نتائج الصراع العائلي الحالي، موضحاً: “خلال أزمة رفعت وحافظ، لم يكن النظام متهالكا كما هو اليوم، والطاقة البشرية للعلويين لم تكن بهذا الضعف، الذي لا يسمح بأي حال بانقسامها على نفسها أو خوض معارك داخلية، لم يكن هناك فصائل مسلحة معارضة على الأرض، والأهم هو وجود والدة الشقيقين، ناعسة شاليش، كقوة مؤثرة أنهت الصراع دون دماء، وهو ما يفتقد اليوم في سوريا، بالإضافة إلى كثرة الأطراف المتصارعة خلال الأزمة الحالية”.
وكان رجل الأعمال، والمقرب السابق من عائلة الأسد، “فراس طلاس”، قد أكد في وقتٍ سابق أن النظام حالياً يشهد ثلاث صراعات على الأقل، يشكل كل من زوجة الرئيس، “أسماء الأسد” وشقيقه “ماهر” وابن خاله “رامي مخلوف” أركانها الأساسية.
إلى جانب ذلك، يلفت المصدر إلى دور الفارق الكبير في مستوى الكفاءة بين إدارة “حافظ الأسد” لتلك الأزمات وبين ابنه “بشار”، معتبراً أن قياس نتائج الخلاف الحالي بناء على صمود النظام في الأزمات المشابهة خلال تاريخ حكمه يفتقد للدقة، بسبب التبدلات والاختلافات بين الحقبتين وظروفهما.
إسقاط الرؤوس وتكسير الأجنحة
“مشكلة في صلب النظام”، هكذا يوصف الباحث في الشأن السوري، “فابريس بالانش”، الأزمات داخل عائلة “الأسد”، لافتاً إلى أن قضية “رامي مخلوف” تتشابك فيها السياسة مع العائلة في سوريا، وأن .الأزمة الحالية تندرج ضمن مخططات النظام السوري لإسقاط الرؤوس، التي تبرز وتظهر على الساحة السياسية أو الشعبية، وتكسير أجنحت
من جهته، يعتبر المصدر الخاص بمرصد مينا، أن الحديث عن مسألة تكسير الرؤوس هو شيء اعتيادي بالنسبة للنظام في الأوضاع الطبيعية، إلا أن وصول الأمر إلى مرحلة التصفيات الجسدية المتبادلة بين مناصري أفراد العائلة المتصارعين، يكشف عن حجم الزلزلال وما قد يؤدي إليه من حالة تفكك بينهم، مستشهداً بحادثتي الوفاة الغامضة لكل من “مصعب وجيه الأسد، ابن عم رأس النظام والمقرب جدا منه، ورجل الأعمال المقرب جداً من “ماهر الأسد”؛ “غيث بستاني”.
وكان وسائل إعلام سورية، قد أعلنت قبل أيام عن وفاة كل من “مصعب الأسد” و”غيث بستاني” في حاثتين منفصلتين وفي ظروف غامضة. تأثيرات الخلافات العائلية على مدى استمرار حكم “بشار الأسد” يعيد المصدر بالذاكرة إلى حادثة وفاة شقيق رأس النظام، “باسل الأسد”، والذي أكد المصدر أن قتل بعملية مدبرة من أفراد داخل العائلة، بسبب الخلافات بينهم وبينه على مسألة الهريب واعتقاله لابن عمه المعروف بـ “شيخ الجبل”، في إشارة إلى القوة والقرار، التي يملكها أفراد العائلة في تسيير الحكم والنظام، ومدى تأثير الخلافات على ديمومة الحكم في شكله الحالي.
وكانت سوريا قد أعلنت عام 1994 عن وفاة الإبن الأكبر “لحافظ الأسد” وورثيه الأول في السلطة “باسل”، بحادث سير على طريق مطار دمشق الدولي، في حين أمدت تسريبات من داخل النظام بوجود عملية اغتيال مدبرة. كما شهدت سوريا خلال السنوات الماضية مقتل العديد من أفراد عائلة الأسد، بظروفٍ غامضة، في مقدمتهم، مؤسس وقائد ميلبشيات الدفاع الوطني الموالية للنظام، “هلال الأسد”.