هل هي خطوة نحو الإصلاح ام مناورة للبقاء في السلطة؟
قرر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة الليبية عبد الحميد الدبيبة، إلغاء 25 بعثة دبلوماسية ليبية في الخارج، وتشكيل لجنة تتولى دراسة تقليص عدد الموظفين في السفارات والقنصليات والبعثات الليبية، ومعالجة أوضاع العاملين فيها.
وأصدر الدبيبة القرار رقم 298 لسنة 2025 بشأن إعادة تنظيم السفارات والقنصليات والبعثات بالخارج والذي نصت مادته الأولى على تنظيم البعثات الليبية بالخارج وفقا لأحكامه.
ونصت المادة الثانية من القرار على أن تلغى السفارات والقنصليات والبعثات الليبية والمقدر عددها ب 25 بعثة ديبلوماسية. وياتي ذلك ضمن ما اعتبره الدبيبة خطة حكومية تهدف الى ترشيد الانفاق العام واعادة توجيه الموارد نحو الاولويات الوطنية.
وكلف الدبيبة بموجب المادة الثالثة من القرار وزارة الخارجية والتعاون الدولي باتخاذ الإجراءات الدبلوماسية والمالية والإدارية اللازمة لوضع هذا القرار موضع التنفيذ، مطالبا إياها بإحالة تقرير مفصل بالإجراءات التي تم اتخاذها في أجل أقصاه شهر تمهيدا لعرضه على رئيس مجلس الوزراء.
ترشيد الإنفاق العام
كما أصدر الدبيبة القرار رقم «192» لسنة 2025، بشأن تشكيل لجنة برئاسة مدير مكتب التفتيش والرقابة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي تضم في عضويتها مندوب عن إدارة الشؤون الخارجية بديوان مجلس الوزراء، ومندوب عن إدارة الشؤون الإدارية والمالية بوزارة الخارجية، ومندوب عن هيئة الرقابة الإدارية، ومندوب عن ديوان المحاسبة.
وكلف الدبيبة اللجنة بـدراسة تقليص عدد الموظفين في السفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج ومعالجة أوضاع الموظفين والعاملين في السفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج التي ألغيت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (298) لسنة 2025 ا وتقديم مقترح بالخصوص لرئيس مجلس الوزراء في أجل أقصاه شهر من تاريخ صدور هذا القرار.
وفي خطوة موازية، أعلن الدبيبة عن تعليق الإيفاد للدراسة بالخارج، مع الإبقاء على دراسة الموفدين الحاليين دون تمديد بعد انتهاء مدة إيفادهم. وأكد أن القرار لا يشمل الطلاب الذين يتابعون دراستهم حاليا، لكنه ينهي سياسة الإيفاد التي كانت تستنزف مئات الملايين من الدينارات سنويا.
وأوضح رئيس الحكومة أن المخصصات المالية التي سيتم توفيرها من وقف الإيفاد والتي تقدر بحوالي نصف مليار دينار ليبي سنويا سيتم توجيهها إلى مشروع المكتبة الإلكترونية الوطنية، بهدف دعم البنية التحتية الرقمية للتعليم والبحث العلمي، وتوفير محتوى معرفي وأكاديمي متميز ومتجدد لجميع الطلاب والباحثين داخل ليبيا. هذا الى جانب اتخاذه لقرار مراجعة بعض العقود النفطية.
خطوة للإصلاح ام سعي إلى البقاء في السلطة؟
وقد تباينت الآراء وردود الفعل تجاه القرارات التي أصدرها عبد الحميد الدبيبة، والتي وُصفت بأنها «تقشفية» حيث لاقت ترحيبا من قبل البعض ممن اعتبرها خطوة نحو الاصلاح مقابل انتقادات لاذعة من قبل سياسيين ومحللين ومتابعين للشان العام الليبي الذين اعتبروا أنها محاولة لامتصاص غضب الشارع، بهدف البقاء في السلطة.
ومن بين المشيدين بهذه القرارات نجد الصحفي الليبي محمود الشركسي الذي قال في تدوينة له على صفحته الرسمية بالفايس بوك ان ما قام به الدبيبة خطوة موفقة وبداية للإصلاح.
وفي السياق نفسه رحَّب عضو المجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، بهذه القرارات التي اتخذها الدبيبة. وقال إن أغلب الخطوات التي أعلن عنها، سواء مراجعة ملف الأدوية، أو عقود النفط أو إغلاق عدد من السفارات، طالبت بها من قِبل نخب سياسية، وخبراء الاقتصاد والشارع الليبي.
في المقابل يرى عضو مجلس النواب الليبي، علي الصول، أن قرارات الدبيبة تستهدف لفت نظر الرأي العام، سواء المحلي أو الدولي، لأداء حكومته، ويعتقد أن رئيس حكومة «الوحدة»، وحليفه المجلس الرئاسي يدركان أن محطة مغادرتهما المشهد السياسي باتت قريبة جداً؛ لذا يسعيان للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، من خلال إصدار قرارات اللحظة الأخيرة.
ويشاركه نفس الراي المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ، الذي اعتبر هو ايضا أن قرارات الدبيبة مجرد محاولة لتهدئة الانتقادات الحادة التي توجه لحكومته، من قبل النخب السياسية وخبراء الاقتصاد، بشأن توسع الإنفاق العام للحكومتين.ويرى محفوظ أن الدبيبة لم يجد أمامه سوى القيام بتلك الإجراءات لإثبات أن حكومته تسعى للتصحيح، وتقليص الإنفاق، وكبح استنزاف العملة الأجنبية عبر خفض عدد السفارات والعاملين بها، وإيقاف البعثات التعليمية.
ويرى وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة المؤقتة، حسن الصغير، أنه يتطلع مثل كل الليبيين لخفض الإنفاق العام، وتقليص عدد العاملين بالخارج، لكنه يعتبر ان قرار فتح أو غلق سفارة يخضع للدولة وليس للحكومات، مشيراً إلى ضرورة مشاركة سلطات الدولة كافة في هذا القرار، كونه يتعلق بمصالح متبادلة بينها.ويعتقد الصغير أن الدبيبة يستهدف تقديم نفسه بصفته شخصاً مسؤولاً أمام البعثة الأممية، على أمل تكليفه بحكومة جديدة، تجمع قيادات من شرق ليبيا وغربها.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي وجد الدبيبة مهاجمين ومنتقدين خاصة تجاه قراره بإيقاف البعثات التعليمية، التي أشار الدبيبة لإنفاق نصف مليار دينار عليها، وأنه بصدد توجيه تلك المبالغ لتطوير التعليم بالداخل، مشيرين إلى أن الإيفاد بالأساس متوقف منذ سنوات، باستثناء أبناء كبار المسؤولين بحكومته والمقربين منهم.
أي تأثير على المسار السياسي الليبي؟
وتجدر الاشارة الى ان المصرف المركزي الليبي كان قد حمَّل حكومتَي ليبيا مسؤولية تدهور قيمة الدينار؛ بسبب إنفاقهما الذي تجاوز 224 مليار دينار خلال العام الماضي، لافتاً إلى أن حكومة الدبيبة أنفقت 123 ملياراً، في حين أنفقت نظيرتها في شرق ليبيا المكلفة من البرلمان، برئاسة حماد، نحو 59 ملياراً. (الدولار يساوي 5.45 دينار في السوق الرسمية).
مع العلم انه لليبيا أكثر من 130 سفارة، ووفقاً لتقرير ديوان المحاسبة، فقد تم عام 2023 صرف مليار و525 مليوناً و173 ألفاً و256 ديناراً رواتب لنحو 3478 عاملاً بالسفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج، من دبلوماسيين وعمالة محلية.
والسؤال الذي يطرح هنا هو هل ستكون لقرارات الدبيبة تاثيرا على مسار العملية السياسية في ليبيا التي تقودها الأمم المتحدة والتي قد يطول أكثر مما يتوقع الكثيرون؟