بعد 7 سنوات من اعتقال “الساعدي” ثالث أبناء العقيد الليبي الراحل “معمر القذافي” في العاصمة الليبية طرابلس، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية إخلاء سبيله وبعض رموز النظام السابق، تطبيقاً لقرار الانفراج الصادر بحقه قبل عامين.
وكشفت مصادر ليبية أن القذافي اختار تركيا وجهة له، فيما تساءلت أوساط ليبية عن الطريقة التي تم بها نقل الساعدي إلى إسطنبول.
المحطة الأولى..
مصادر إعلامية أكدت، أن “الطائرة التي نقلت الساعدي هبطت في ساعة مبكرة من صباح أمس الإثنين في مطار إسطنبول، وعلى متنها ناجي حرير المفرج عنه أيضا لأسباب صحية”، كما ظهرت صورة لإحدى صفحات جواز سفر الساعدي، كتب عليها “مغادرة على طائرة خاصة تابعة للجهاز التنفيذي للطيران الخاص، قاصدة إسطنبول”.
وكانت الحكومة الليبية أكدت، أنه بعد عامين من قرار الإفراج عن الساعدي، تسلمته عائلته وفقا للإجراءات القانونية، متعهدة بالعمل على الإفراج عن جميع السجناء ممن تقضي أوضاعهم القانونية ذلك، دون استثناء.
يشار إلى أن الساعدي قد لجأ أثناء ثورة فبراير 2011 إلى النيجر، إلا أن السلطات في النيجر قامت بتسليمه للسلطات الليبية عام 2014 ليسجن من وقتها حتى تاريخ خروجه، اذ اتهمت سلطات طرابلس نجل القذافي “بالاستيلاء على ممتلكات بالقوة والترهيب في حقبة ترؤسه الاتحاد الليبي لكرة القدم” وأصدرت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) “مذكرة حمراء” بحقه لمطالبة دولها الأعضاء بالقبض عليه، وفي أبريل 2018 تمت تبرئته في حكم نهائي من كل التهم المنسوبة إليه بما في ذلك تهمة قتل لاعب ومدرب فريق الاتحاد لكرة القدم بشير الرياني، لكن لم يتم الإفراج عنه.
وأكدت مصادر مطلعة، أن “طلبا باستقبال الساعدي تم توجيهه إلى عمّان والرياض والقاهرة وأنقرة، وأن السلطات التركية والسعودية سارعت بقبول الطلب، موضحة أن “الساعدي غادر نحو تركيا لتكون محطته اللاحقة مصر حيث تقيم والدته صفية فركاش وطفلاه (ولد وبنت) اللذان يعيشان مع والدتهما”.
في المقابل، كشفت مصادر ليبية، أن “الساعدي اختار المغادرة إلى الخارج، وقد تم ترتيب ذلك مع السلطات التركية لتكون إسطنبول محطته الأولى في اتجاه المحطة الثانية التي يرغب في الاستقرار بها، وأعدت له السلطات جواز سفر، ومكنته من السفر عبر طائرة خاصة، وقد تم الكشف الطبي عليه للتأكد من سلامته البدنية وتوفير جميع الضمانات الأمنية التي تتطلبها عملية المغادرة من السجن إلى المطار”، موضحة أن “الساعدي له موقع اعتباري خاص لدى أنصار والده، وبالمقابل يكن له آخرون عداء مطلقا قد يهدد حياته، ثم هو حاليا لا يمتلك منزلا خاصا في طرابلس”.
لماذا تركيا..
المتحدث باسم الحكومة الليبية السابق “موسى إبراهيم” شكك في الدوافع وراء نقل الساعدي إلى تركيا بالذات، لافتاً إلى أن “الطائرة التي أقلت اللواء الساعدي القذافي إلى إسطنبول لم تكن طائرة عادية وحتى جواز السفر كان مزورا لأسباب سياسية، ويمكن أن تكون صفقة جديدة من الإخوان لعرقلة الانتخابات، وصفقة جديدة للإطاحة بنجل العقيد الراحل معمر القذافي وجرّه نحو هدف ما”.
بينما يرى مراقبون “أن تركيا تسعى حاليا لاختراق أنصار النظام السابق ممن يمثلون قاعدة شعبية واسعة تعارض دورها في البلاد، لعقد صفقة معهم بهدف التوصل إلى تحالف بينهم وبين الإخوان خلال الانتخابات القادمة لقطع الطريق أمام عدوها خليفة حفتر القائد العام للجيش”، موضحة أن “أنقرة سبق لها أن استقطبت عددا مهما ممن كانوا محسوبين على النظام السابق تحت غطاء العمل على تحقيق مصالحة وطنية شاملة”.
يشار إلى أنه من المقرر أن تشهد ليبيا نهاية العام الجاري انتخابات عامة للوصول إلى انتخاب رئيس جديد وبرلمان جديد وتشكيل حكومة أكثر استقراراً، بحسب مخرجات الحوار الوطني الليبي.
واعتبر عضو مجلس النواب الليبي عبدالمطلب ثابت، أن “عملية الإفراج هذه تندرج تحت إطار المصالحة الوطنية”، مشيرا إلى أن “المصالحة الوطنية مهمة في المرحلة الحالية، من أجل لم الشمل، ورأب الصدع بين كل الليبيين”.
كما وصف رئيس حركة المستقبل ووزير الخارجية في الحكومة المؤقتة المنتهية ولايتها عبدالهادي الحويج، الإفراج عن رموز النظام السابق بالبداية نحو مصالحة لا تقوم على المغالبة.
المصالحة الوطنية..
وبعد الافراج عن “الساعدي”، أطلق رئيس المجلس الرئاسي الليبي، “محمد المنفي” أمس الاثنين، مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا، معتبراً أن “انطلاقة المشروع تُمثل الرغبة الحقيقة لدى الجميع لطي الماضي وتجاوز الخلافات”.
إلى جانب ذلك، دعا “المنفي” في بيانه كافة أطياف الشعب الليبي للالتفاف حول الوطن وبناء دولة المواطنة والقانون، مؤكداً أن القرارات التي اتخذت ما كان لها أن تتخذ، لولا الرغبة الحقيقية والجادة، لدى الشعب الليبي من أجل طي صفحات الماضي المؤلمة، وتجاوز الخلافات، ونبذ الفرقة، وإيقاف نزيف الدماء، ووضع حد لمعاناته.
وينتظر أن تشهد الأيام القادمة الإفراج عن بقية أنصار النظام السابق المحتجزين في سجون طرابلس ومصراتة ضمن خطة المصالحة الوطنية، فيما لا تستبعد مصادر قريبة من مراكز القرار أن يكون من بين المفرج عنهم عبدالله السنوسي رئيس المخابرات في النظام السابق.
كما يرى المراقبون أن رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة كسب نقطة مهمة في رصيده الشعبي بإقراره مبدأ الإفراج عن رموز النظام السابق، وقد استفاد في ذلك من الأجواء الإيجابية التي تنظر بها الفعاليات الاجتماعية والسياسية في مدينته مصراتة إلى المصالحة كمشروع وطني شامل.
ولفت المتابعون إلى أنه “لم يتم تنفيذ أي حكم من أحكام الإعدام الصادرة في حق رموز النظام السابق، وأنه تم النظر بجدية إلى التوازنات المناطقية والقبلية والاجتماعية، واليوم لا يتجاوز عدد المحتجزين من رموز نظام القذافي عشرة أشخاص، ينتظر أن يتم الإفراج عنهم خلال أيام”.
يذكر أنه بعد ساعات من الإفراج عن “الساعدي معمر القذافي”، أطلقت السلطات الليبية سراح عددا من السياسيين الليبيين، بينهم “أحمد رمضان”، مدير مكتب معلومات الزعيم الليبي الراحل “معمر القذافي”، ومن المتوقع أن تشمل عملية الإفراج مدير مخابرات الزعيم الراحل، معمر القذافي، وأحد أبرز المقربين منه، “عبدالله السنوسي”، الذي يقبع في السجن منذ عام 2012، بعد تزايد المطالب الحقوقية والشعبية الداعية لإطلاق سراحه، وتمكينه من العلاج، بسبب تدهور صحته.