مع إعلان مؤسسة الرئاسة التونسية تأييدها لدعوة الاتحاد العام للشغل، إجراء حوار وطني يخرج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية، يبدو أن تونس مقبلة على منعطف سياسي شامل، قد يحمل تبدلات كبيرة في المشهد الرسمي ونظام الحكم، بحسب ما يراه باحثون في الشؤون التونسية ومحللون سياسيون.
وبحسب الدعوة المقدمة من الاتحاد، فإن الحوار يهدف إلى إعادة رسم المشهد السياسي التونسي، بعيداً عن التفاهمات، التي تم التوصل إليها عام 2013، والتي حملها مسؤولية ما تعيشه البلاد حالياً، وذلك تزامناً مع الذكرى العاشرة للثورة التونسية، التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل، “زين العابدين بن علي”.
مخاوف من الفخاخ السياسية.. وحركة النهضة في واجهة الأحداث
ما تحمله مبادرة اتحاد الشغل من دعوات لتغيير الواقع السياسي، تدفع المتحدث باسم الاتحاد، “سامي الطاهري”، إلى إبداء قلق من موقف حركة النهضة، الجناح التونسي لجماعة الإخوان المسلمين، معتبراً أنها لن تقف فقط في خانة المتفرج بل ستعمل على إفشال مبادرة الاتحاد للحوار الوطني، على حد وصفه.
يشار إلى أن اتحاد الشغل يعتبر من أكبر النقابات والهيئات التونسية ومن أكثرها تأثيراً في الشؤون السياسية، خاصةً وأنه كان من بين الجهات، التي ساهمت في قيادة الثورة التونسية ضد نظام “بن علي”.
في السياق ذاته، يعتبر الباحث في الشؤون التونسية، “حمدي العامري” أن دعوة الاتحاد هي فعلياً محاولة للحد من سطوة حركة النهضة على الحكم في تونس منذ عام 2013، مرجحاً أن يركز الحوار على نقطة إلغاء نظام الحكم الحالي، القائم على تقاسم السلطات بين رئيس البرلمان ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، والعودة إلى النظام الرئاسي.
كما يوضح “العامري”: “نقطة العودة إلى النظام الرئاسي، بحد ذاتها تعتبر من الخطوط الحمراء العريضة لحركة النهضة والتي ترفضها بشكلٍ كامل، خاصةً وأن كوادرها فشلوا في الوصول إلى كرسي الرئاسة طيلة عقد كامل، ومن هنا تأتي مخاوف الاتحاد من مساعي الحركة لإفشال الحوار”، لافتاً إلى أن حركة النهضة تدرك تماماً أن أي تعديلٍ في شكل الحكم الحالي، يعني انتحاراً سياسياً وإقصاءاً كاملاً لها، وبالتالي اعتبار الحوار جزءاً من الصراع على السلطة.
يشار إلى أن حركة النهضة تسيطر منذ عام 2013، على الائتلافات الحكومية المتعاقبة، من خلال الأغلبية النيابية، إلا أنها فقدت بعد الانتخابات الأخيرة جزءاً كبيراً من تلك السطوة، ما منعها من اختيار مرشح من كواردها أو كوادر حلفائها لرئاسة الحكومة وفرض عليها تحالفات سياسية معينة.
في السياق ذاته، يعتبر “العامري” أن وقوف النهضة ضد الحوار وعملها على إفشاله هو نتيجة طبيعية لإحساسها بأن سلطاتها مهددة، خاصةً وأن دعوة اتحاد الشغل استثنت بشكل علني ومباشر، ائتلاف الكرامة، الحليف المقرب جداً من حركة النهضة، مشيراً إلى أن قيادة الحركة تبحث عن الاحتفاظ بأكبر عدد من الحلفاء السياسيين، لا سيما في ظل العلاقة المتوترة مع الرئيس الحالي، “قيس سعيد”.
وكانت الفترة الماضية قد شهدت صدامات سياسية وصراع صلاحيات، بين الرئيس التونسي وبين رئيس البرلمان، “راشد الغنوشي”، حيث اتهم الرئيس “سعيد” وعدد من شخصيات المعارضة، “الغنوشي” بتجاوز صلاحياته كرئيس للبرلمان و القفز على صلاحيات الرئيس.
بين السياسة والاقتصاد
دعوة الحوار سبقها 12 شهراً صعباً في الساحة التونسية، ما دفع من وجهة نظر المحلل السياسي، “الحسن البوشماوي”، إلى فرض البحث عن تعديلات في طريقة تسيير البلاد، لا سيما وأن الأزمات توزعت على المستوى السياسي والاقتصادي والمعيشي، لدرجة باتت فيها البلاد قريبة جداً من الانفجار، على حد قوله.
يشار إلى أن عدة ولايات ومدن تونسية، شهدت اندلاع مظاهرات كبيرة رفضاً للبطالة والفقر وتراجع مستويات المعيشة، حيث تصاعدت حدة تلك المظاهرات في النصف الثاني من العام 2020، خاصة مع انتشار فيروس كورنا المستجد.
ويضيف “البوشماوي”: “بعد 10 سنوات من الثورة، لا تزال القوى السياسية عاجزة عن تشكيل حكومة مستقرة، فبعد أسابيع من عدم التوافق على شخصية لرئاسة مجلس الوزراء عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة، جاء اختيار إلياس الفخاخ والذي لم يبق سوى أشهر قليلة، جاء بعدها المشيشي، والذي أيضاً يعاني في حكومته من حالة عدم استقرار تنعكس على العمل الحكومي سلباً بشكل كامل”.
كما يلفت “البوشماوي” إلى أن وضع الاقتصاد ليس بأفضل من السياسة مع ارتفاع معدلات التضخم بنسبة 6.1 بالمائة، ونسبة البطالة إلى 16.2 بالمئة، معتبراً أن الشعب التونسي حتى اللحظة لم يشعر بأي تحسن في فترة ما بعد الثورة.
لغة الأرقام تقول كلمتها
لا يمكن فصل الانهيار الاقتصادي عن الحالة السياسية في تونس، وفقاً لما يؤكده المحلل الاقتصادي، “نجم الدين المزابي”، والذي يرى أن كليهما يؤثران في بعضهما، معتبراً أن حالة تقاسم الصلاحيات بين مؤسسات الحكم والتشابك السياسي وتبدل التحكومات، أدى إلى إضعاف عجلة النمو والتطوير الاقتصادي، لا سيما أن كل ذلك أدى إلى تراجع حجم الاستثمار في البلاد، خلال السنوات الأخيرة.
يذكر أن إحصاءات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، قد كشفت عن تراجع الاستثمارات الأجنبية في عام 2020، إلى أدنى مستوى له منذ عام 2017، حيث وصلت قيمة إجمالي الاستثمارات 545 مليون دولار عام 2020، مقابل 727مليون دولار عام 2019، ما يعني انخفاضاً بنسبة 26 بالمئة.
كما يضيف “المزابي”: “أنا هنا أتحدث بلغة اقتصاد قائمة على الأرقام والإحصائيات، بعيداً عن السياسة وتجاذباتها وتحالفاتها، وهنا أقول إن تحسين الوضع الاقتصادي لا يمكن الوصول إليه في ظل النظام القائم، وحالة التشابك بالصلاحيات والتعقيدات الدستورية، وهو ما يفرض تحديد هوية واضحة لنظام الحكم في البلاد، إما رئاسي أو برلماني”، معتبراً أنه في حال عدم فهم السياسيين لتلك الحقيقة، فإن الثورة الثانية قادمة.
يشار إلى أن الأوساط السياسية التونسية قد شهدت خلال العام الماضي، تصاعداً في الدعوات للعودة إلى النظام الرئاسي، الذي ألغي بعد الثورة، وهو ما عارضته التيارات والتكلات السياسية المحسوبة على التيار الديني، بقيادة حركة النهضة.