بقلم: أبو بكر الرمح
الملخص التنفيذي:
التنافس دولياً من أجل السيطرة على العالم بأفراده ومجتمعاته ودوله بات له سلاح جديد؛ يتحكم في خيارات الناس دوت أن ينتبهوا؛ إنه سلاح البيانات والمعلوماتية؛ تحاول هذه الورقة بيان معنى البيانات السلاح العالمي الجديد الذي تسيطر من خلاله أمريكا على العالم أفراداً وجماعاتٍ ودول؛ وكيفية جمع هذه البيانات؛ وما الفائدة منها؟ وكيف يتم تحويل هذه البيانات إلى قوة حقيقية تتحكم بالجميع! وما الحلول الممكنة لتقليل من الهيمنة الأمريكية في مجال البيانات التي أُطلق عليها مسمى (النفط الجديد)؟ هذا كله نناقشه من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- المدخل
- ما هي البيانات وما أهميتها؟
- أنواع البيانات واستخدامها!
- كيف يتم تجميع البيانات؟
- كيف تستفيد أمريكا من هذه السيطرة؟
- هل هذه الهيمنة أخلاقية؟
- ما فائدة هذه البيانات؟
- الأدوات التي تُستخدم لتحويل البيانات إلى قوة
- الخاتمة، ما الحلول المحتملة لتقليل الهيمنة الأمريكية؟
المدخل:
في عالمنا الحديث، لم تعد الدول الكبرى تتنافس فيما بينها اقتصادياً وعسكرياً! إنما المنافسة الحالية هي على ما يُعرف بـ “النفط الجديد” أي البيانات. فالبيانات التي أصبحت اليوم في صميم كل نشاط بشري تقريبًا، تعدُّ المورد الأكثر تأثيرًا في العصر الرقمي؛ كما كان النفط قبل وقت قليل هو المورد الاكثر تأثيراً في العصر الصناعي؛ ومع هيمنة الولايات المتحدة على البنية التحتية للتكنولوجيا والأنظمة التي تجمع وتُحلل هذه البيانات، أضحت تمتلك قوة لا مثيل لها في توجيه مسار العالم.
ولفهم هذه الهيمنة الجديدة، وهذا السلاح المدهش الذي يتحكم بالعالم؛ من الضروري أن نستعرض مفهوم البيانات، وكيفية استخدامها، وطرق تحليلها التي تعزز النفوذ الأمريكي؛ وتمنح الولايات المتحدة الأمريكية هيمنة جديدة من نوع آخر.
ما هي البيانات وما أهميتها؟
تُعَرّف البيانات بأنها كل معلومة يتم جمعها عن الأفراد والشركات والمؤسسات والمجتمعات بواسطة الأجهزة، أو الأنظمة الرقمية، وهذه المعلومات التي يمكن أن تكون رقمية أو نصوص، أو صور، أو غير ذلك، أصبحت أساس القوة المهمة في القرن الحادي والعشرين، بل أصبحت تُعد البيانات بـ “النفط الجديد” لأنها تُستخدم لفهم السلوكيات البشرية، والتنبؤ بالتوجهات، واتخاذ قرارات استراتيجية.
وأما أهميتها فهي تعطي القدرة على معرفة العملاء بشكل عميق وتحسين المنتجات والخدمات المقدمة؛ فالبيانات السلوكية تعكس كيف يتصرف الأفراد في البيئة الرقمية، وما هي المواقع التي يزورنها؟ وما المنتجات التي يبحثون عنها؟ وما نوعية الفيديوهات التي يشاهدونها؟ واهتمامات كل متعامل؛ ورغباته؛ وهواياته، كما تُستخدم أيضاً للتنبؤ بالسلوك المستقبلي؛ واستهداف الأفراد بالإعلانات أو التوجيهات.
وهناك البيانات الصحية التي تتعلق بالحالة الصحية والنشاط البدني. مثل حالة الشخص الصحية؛ وأمراضه؛ وسجلات زياراته الطبيب، وهذه البيانات تجمعها الساعات الذكية، وهناك Apple Watch أو الأجهزة الصحية الذكية التي تقوم بتحليل النشاط اليومي للشخص من أجل مراقبة صحة الأفراد.
وهناك دول تستخدم البيانات الصحية لتتبع الأوبئة أو تحسين السياسات الصحية، وأما أهميتها فتتمثل بتُعزيز القدرة على التنبؤ بالأزمات الصحية وتطوير حلول دقيقة مثل السيطرة على الأوبئة.
وكذلك هناك بيانات اجتماعية التي تتعلق بالتفاعلات بين الأفراد على المنصات الرقمية مثل عدد مرات الإعجاب للمنشورات والفيديوهات؛ وما يُنْشر من مقالات ودراسات وأبحاث، وكذلك والتعليقات والصور والمنشورات. حيث تقوم شركات مثل Meta بتحليل العلاقات الاجتماعية لتحديد الاتجاهات والمخاوف المجتمعية، ومن خلالها يمكن التنبؤ بردود فعل الشعوب تجاه سياسات معينة. وأما أهمية هذا الباب؛ فإنه يمنح القدرة على فهم المزاج العام للشعوب والتأثير على الرأي العام.
في الماضي، كانت البيانات مجرد معلومات خام تُجمع بشكل تقليدي ولا تُستخدم إلا في سياقات محدودة مثل سجلات العملاء أو الإحصائيات السكانية، ولم تكن تشكل خطرًا كبيرًا بسبب محدودية تقنيات التحليل. لكن مع تطور الذكاء الاصطناعي أصبح بالإمكان جمع وتخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات الضخمة لمليارات الأشخاص في زمن قياسي.
ولم يعد الأمر يقتصر على تخزين البيانات، بل تطور ليشمل تصنيفها، واستخراج الأنماط منها، والتنبؤ بالسلوكيات المستقبلية بدقة مذهلة. هذا التطور أتاح معرفة تفاصيل دقيقة عن الأفراد، بل وحتى الكشف عن معلومات ربما لا يدركها الشخص عن نفسه، مثل اهتماماته الخفية أو قراراته المحتملة، مما منح هذه الكيانات قوة غير مسبوقة للتحكم والتأثير.
وللبيانات أهميات متعددة؛ منها تحليل السلوكيات بحيث تمكّن الشركات والدول من فهم الأنماط السلوكية، فعلى سبيل المثال الشركات مثل Amazon تستخدم بيانات الشراء للتوصية بمنتجات جديدة، والحكومات يمكنها تتبع التحركات السكانية وتحليل التوجهات المجتمعية.
كذلك من أهميتها التنبؤ بالتوجهات؛ فبتحليل البيانات من وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن التنبؤ بتغيرات سياسية أو اجتماعية مثل التوجهات في الانتخابات الأمريكية كانت واضحة من تحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك اتخاذ قرارات استراتيجية فالحكومات والشركات الأمريكية تستخدم البيانات لتوجيه الأسواق أو تصميم سياسات عامة. فشركة مثل Google تُقدم رؤى عن الأنشطة الأكثر شيوعًا بناءً على بيانات البحث.
كذلك هناك التأثير السياسي والاقتصادي؛ فدولة مثل أمريكا تستخدم البيانات للتأثير في القرارات السياسية العالمية، والتحكم في الأنماط الاستهلاكية يساعد في السيطرة على الاقتصاد العالمي.
أنواع البيانات واستخدامها!
هناك عدة أنواع للبيانات منها؛ البيانات الشخصية؛ وهي المعلومات التي تُعرّف الأفراد بشكل مباشر أمثلة على ذلك: الاسم، العنوان، العمر، الهوايات إلخ.
وأما كيفية استخدام هذه البيانات؛ فإن شركات التكنولوجيا مثل Google وMeta (فيسبوك سابقاً) تستغل تواجد هذه البيانات لإنشاء ملفات تعريف مفصلة عن المستخدمين. فتستخدم هذه البيانات لتخصيص الإعلانات والخدمات بما يناسب كل فرد. كما أنّ شركتي Facebook وYouTube وغيرهما من منصات الاجتماعية؛ يقومون بتحليل هذه البيانات؛ لفهم مفضلات العميل وتقديم محتوى مخصص ومتناسب مع الرغبة الشخصية له، كما أنها تساعد على مراقبة الأنشطة وتحليل الأنماط العامة لكل العملاء.
كيف يتم تجميع البيانات؟
هناك طرق عدة لتجميع البيات الشخصية والعامة؛ وذلك خلال من شركات التكنولوجيا الكبرى؛ فشركة Google على سبيل المثال تجمع كل ما يبحث عنه الإنسان؛ وتسجل موقعه عبر الخرائط، وتعرف اهتماماته من خلال YouTube. وأما شركة (Meta /Facebook) فتعرف أصدقاءك؛ ونوعية اهتماماتك، وحتى الأخبار التي تتفاعل معها، وتود سماعها.
كذلك تُجمع البيانات من التطبيقات والخدمات؛ فتطبيقات التسوق، والتسلية، والخدمات الصحية تخزن بيانات عن نشاط المستخدم. والغالبية العظمى من هذه البيانات تمر عبر الخوادم الأمريكية! وهناك أيضاً إنترنت الأشياء؛ فالأجهزة الذكية مثل الساعات وأنظمة المنازل الذكية “أليكسا” و”سيري” تجمع بيانات دقيقة عن حياة الإنسان اليومية.
فالبيانات ليست مجرد أرقام أو نصوص، بل هي مخزون استراتيجي يمنح الولايات المتحدة الأمريكية هيمنة لا مثيل لها في العالم؛ ومن خلال السيطرة على أنظمة التكنولوجيا وتحليل البيانات، تُحْكم أمريكا قبضتها على القرارات الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية العالمية؛ فالبيانات، كما توصف اليوم أداة تحكم قوية تجعل الولايات المتحدة في موقع الريادة العالمية، لكنها تطرح أيضًا تساؤلات عن الخصوصية والعدالة في استخدام هذا “السلاح الرقمي”.
أدوات الهيمنة الرقمية (سيرفرات التخزين مثل Oracle وSQL IBM)
إنّ سيرفرات التخزين العملاقة مثل Oracle وSQL IBM ليست مجرد أدوات تقنية لإدارة البيانات، بل هي الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الشركات والمؤسسات لتخزين وتحليل كميات هائلة من المعلومات، هذه السيرفرات التي تحتفظ ببيانات تخص مليارات البشر، تعطي الولايات المتحدة ميزة استراتيجية هائلة كون معظم هذه الأنظمة والبنى التحتية موجودة أو تتحكم بها شركات أمريكية؛ وبالتالي هي تجعل الهيمنة الأمريكية متمددة عالمياً؛ لتصل إلى البيوت والأفراد!
وأما دور السيرفرات في جمع البيانات وتخزينها؛ فهو دور كبير ومهم لهذه السيرفرات فهي تقوم بتخزين لكميات ضخمة من البيانات كأنظمة مثل Oracle وSQL وIBM التي تُستخدم لتخزين بيانات المستخدمين من تطبيقات التواصل الاجتماعي، وسجلات المستشفيات، والسجلات البنكية، وحتى بيانات الحكومات. فالولايات المتحدة عبر الشركات الكبرى، تتحكم في مراكز بيانات ضخمة تحتوي على معلومات تتعلق بسلوك الأفراد والأنشطة التجارية، وحتى البنى التحتية للدول. وهذه السيرفرات قادرة على تحليل البيانات بسرعة كبيرة جداً باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي؛ فعلى سبيل المثال؛ تحليل السجلات الطبية لتقديم تنبؤات صحية؛ وتحليل بيانات التسوق لفهم احتياجات الأسواق.
كيف تستفيد أمريكا من هذه السيطرة؟
هناك عدة مجالات تستطيع أمريكا من خلال الاستفادة من البيات؛ فتعزيز وسيطرة الاقتصاد الأمريكي يعتمد عليها؛ فشركات مثل Oracle وIBM وSQL تحقق وتدر مليارات الدولارات من خلال تقديم خدمات التخزين للشركات والمؤسسات العالمية. وهذا ما يعزز الاقتصاد الأمريكي؛ فالهيمنة على سوق أنظمة قواعد البيانات يعني أن الابتكار في هذا المجال يظل مركّزًا في الولايات المتحدة.
كذلك موضوع السيطرة على القرارات الدولية؛ فمن خلال السيطرة على البيانات العالمية، يمكن للولايات المتحدة التنبؤ بالتوجهات الاقتصادية والسياسية لدول أخرى. وهذا يمنحها ميزة استراتيجية للتأثير في سياسات هذه الدول أو اتخاذ خطوات استباقية لحماية مصالحها.
إضافة إلى ذلك فهي تعمل على تعزيز الأمن القومي الأمريكي! فأمريكا تعتبر البيانات أداة لحماية أمنها القومي؛ ومن خلال تحليل البيانات المخزنة على سيرفراتها، تستطيع تتبع الأنشطة الإرهابية، والتعامل مع التهديدات الخارجية، وحتى التأثير على الاستراتيجيات العسكرية.
ولكن لماذا يشكل وجود هذه السيرفرات في أمريكا مشكلة عالمية؟ معظم مراكز البيانات التي تديرها شركات مثل Oracle وIBM موجودة في الولايات المتحدة، مما يجعل هذه البيانات تحت حماية القوانين الأمريكية. هذا يعني أن أمريكا يمكنها الوصول إلى تلك البيانات بحجة الأمن القومي، حتى لو كانت هذه البيانات تتعلق بأفراد أو شركات خارج حدودها مما يمنحها السيطرة على جغرافية أي بلد بالعالم رغم بعده عن حدودها.
وهذا يعني عدم المساواة في السيادة الرقمية؛ فالدول الأخرى تصبح معتمدة على البنية التحتية الأمريكية لتخزين بياناتها، مما يجعلها في موقف ضعيف، وفي حالة الخلافات السياسية أو الاقتصادية، يمكن للولايات المتحدة استخدام هذه البيانات كوسيلة ضغط.
كذلك يتم الاختراق والتجسس من خلالها أمريكياً؛ فتواجد هذه البيانات في السيرفرات الأمريكية يجعلها عرضة للتجسس؛ فعلى سبيل المثال ما كشفه “إدوارد سنودن” عن عمليات تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) على بيانات الأفراد والحكومات؛ أوضح تلك المهمة التجسسية الخادمة للولايات المتحدة الأمريكية.
هل هذه الهيمنة أخلاقية؟
إنّ استغلال البيانات كسلعة السيرفرات الأمريكية تجعل من البيانات موردًا اقتصاديًا، لكنها تُجمع غالبًا دون موافقة واضحة من الأفراد؛ وهذا يثير تساؤلات حول أخلاقيات جمع البيانات واستخدامها. فغياب التوازن العالمي والهيمنة الأمريكية على البنية التحتية لتخزين البيانات تجعل الدول الأخرى تفقد سيادتها الرقمية. ومن المفترض أن تكون البيانات ملكًا للدول أو الأفراد، ولكن في الواقع يتم التحكم فيها من قِبل الشركات الأمريكية. إضافة لذلك فإنّ تجاهل الخصوصية الفردية مع وجود معظم البيانات في سيرفرات أمريكية، فإن الأفراد في دول أخرى يصبحون عرضة لانتهاكات الخصوصية.
ما فائدة هذه البيانات؟
إن الفائدة التي تعود على الولايات المتحدة من البيانات تتجاوز الحدود التقليدية للاقتصاد، لتصبح أداة استراتيجية تمنحها السيطرة على مسارات التطور التكنولوجي والسياسي والثقافي على مستوى العالم، ويمكن توسيع النقاط المذكورة لتوضيح الصورة الكاملة على النحو التالي:
- تحليل السلوك الفردي من خلال بناء صورة دقيقة للمستخدمين:
- تخصيص الخدمات والمنتجات: حيث تعتمد الشركات الكبرى مثل Netflix وAmazon على تحليل بيانات المستخدمين لتقديم توصيات دقيقة تُحسّن تجربة المستخدم فعلى سبيل المثال، يمكن لأنظمة Netflix توقع ما يفضله المستخدم بناءً على وقت المشاهدة، النوع المفضل، وحتى مدى تكرار التوقف عن المشاهدة.
- الإعلانات الموجهة Google وMeta (فيسبوك سابقًا) تستخدم خوارزميات متقدمة لتحليل سلوك المستخدمين على الإنترنت، مما يمكنها من تقديم إعلانات مستهدفة تزيد من فعالية التسويق للشركات.
- التنبؤ بالتوجهات المجتمعية وفهم المجتمعات والتأثير فيها! من خلال:
- تحليل البيانات الضخمة من خلال جمع وتحليل بيانات ملايين المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي، بحيث يمكن للولايات المتحدة التنبؤ بالتغيرات المجتمعية مثل تزايد الحركات الاحتجاجية أو صعود توجهات سياسية معينة.
- التأثير الوقائي: على سبيل المثال يمكن للحكومة أو الشركات الأمريكية استخدام هذه البيانات لتوجيه النقاشات أو تقديم حلول استباقية لمشاكل اجتماعية ناشئة.
- التحكم في الاقتصاد العالمي والابتكار والسيطرة على الأسواق؛ ويتم ذلك من خلال:
- معرفة أنماط الاستهلاك: الشركات الأمريكية قادرة على دراسة الأسواق العالمية واكتشاف الاتجاهات الجديدة قبل المنافسين وهذا يمنحها ميزة في تصميم منتجات تتماشى مع الاحتياجات المستقبلية.
- الاستثمار المستهدف عبر تحليل البيانات الاقتصادية والاستهلاكية، تستطيع الشركات والحكومة توجيه الاستثمارات إلى القطاعات الأكثر ربحية.
- تعزيز الهيمنة المالية فمنصات مثل PayPal وStripe تتحكم في تدفق الأموال الرقمية، مما يعزز سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد الرقمي العالمي.
- التأثير السياسي والدبلوماسي وتشكيل مستقبل السياسات العالمية! من خلال:
- التدخل في الانتخابات كما أظهرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 إذ يمكن استغلال البيانات للتأثير في سلوك الناخبين, هذا المثال يُبرز كيف يمكن للتقنيات أن تُستخدم لتوجيه الرأي العام سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
- الدبلوماسية الذكية باستخدام بيانات الدول الأخرى، فالولايات المتحدة تستطيع التفاوض بفعالية أكبر في القضايا الدولية بناءً على معرفة عميقة بالتحديات والفرص لدى الأطراف الأخرى.
الأدوات التي تُستخدم لتحويل البيانات إلى قوة
إنّ التنقيب عن البيانات ( (Data Mining تُستخدم هذه التقنية لاستخراج الأنماط والمعرفة من مجموعات ضخمة من البيانات، ما يساعد في اتخاذ قرارات استراتيجية. كما أنّ التعلم الآلي ( (Machine Learning وخوارزميات الذكاء الاصطناعي تتعلم من البيانات المتاحة وتتحسن ذاتيًا لتقديم رؤى دقيقة حول الأنماط السلوكية والاقتصادية. إضافة إلى تحليل المشاعر ( (Sentiment Analysisحيث تُستخدم هذه التقنية لفهم المزاج العام للشعوب بناءً على النصوص المنشورة على الإنترنت، مثل التغريدات ومراجعات المنتجات.
يضاف إلى ما سبق رؤية الآلة ( (Computer Visioوهذه التقنية تسمح بتحليل الصور ومقاطع الفيديو لفهم تفضيلات المستخدمين بشكل أعمق، مما يعزز التحكم في المحتوى والخدمات. ولذلك فإنّ هذه البيانات تمنح أمريكا هيمنة؛ لها أثر عالمي واضح؛ فالتنبؤ بالأزمات من خلال تحليل البيانات الاقتصادية والاجتماعية، وبذلك يمكن لأمريكا التنبؤ بالركود أو الاضطرابات الاجتماعية وتطوير استراتيجيات للتعامل معها.
وأيضاً فإنّ التكنولوجيا العسكرية الذكية ومن خلال الذكاء الاصطناعي الموجه بالبيانات؛ تقوم تطوير أسلحة تعتمد على تحليل البيانات لتحديد الأهداف وتحسين الأداء، ولا ننسى التأثير الثقافي: منصات مثل Spotify وNetflix تعتمد على البيانات لتقديم محتوى يستهدف تفضيلات الشعوب، مما يُعزز التأثير الثقافي الأمريكي عالميًا.
وأما النتائج والتحديات المستقبلية لذلك فإنّ الاستفادة الأمريكية من البيانات ليست مجرد استراتيجية اقتصادية، بل أداة للتحكم في الديناميكيات العالمية. ومع ذلك، تثير هذه الهيمنة تحديات جدية منها:
- التفاوت في توزيع الفوائد: البيانات التي تُجمع من العالم تُستخدم لتعزيز قوة الشركات والحكومة الأمريكية، بينما تُترك الدول الأخرى كمتلقية للتأثير دون تحقيق مكاسب متوازنة.
- مخاوف الخصوصية: الاستخدام الواسع للبيانات يضع خصوصية الأفراد على المحك، مما يستدعي مراجعات قانونية وتنظيمية لحماية الحقوق الرقمية.
- الصراعات الجيوسياسية: الهيمنة الأمريكية على البيانات تُثير قلق الدول المنافسة، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات العالمية.
ومن خلال هيمنة البيانات؛ تستطيع أمريكا التأثير على العالم بفضل هذه الأدوات والأنظمة، فأمريكا لا تجمع البيانات فقط، بل تُحوّلها إلى معرفة تمنحها سيطرة على العالم، كالتنبؤ بالأزمات إذ يمكن لأمريكا التنبؤ بأزمات مثل الركود الاقتصادي أو الاضطرابات الاجتماعية من خلال تحليل البيانات الاقتصادية والاجتماعية. ويمكنها ايضاً تطوير التكنولوجيا العسكرية باستخدام بيانات الذكاء الاصطناعي، فعندما تطور أمريكا أسلحة ذكية تعتمد على تحليل البيانات لتحديد الأهداف بدقة. وهناك بناء التأثير الثقافي فالشركات الأمريكية مثل Netflix وSpotify تستخدم بيانات المستخدمين لتطوير محتوى يناسب تفضيلات الشعوب، مما يعزز النفوذ الثقافي الأمريكي.
هذا يعني أنّ هيمنة الولايات المتحدة على البيانات تعكس تحولًا جذريًا في ميزان القوى العالمية، حيث أصبحت هذه البيانات المورد الأكثر أهمية في العصر الرقمي؛ وتأثير البيانات يتجاوز الاقتصاد ليشمل السياسة والأمن والثقافة، مما يجعلها أداة استراتيجية للتحكم والتأثير. وكما قال “كليف هامبي” عالم البيانات: “البيانات هي النفط الجديد”، إلا أنها تتميز بخصائص تجعلها أكثر تأثيرًا؛ فهي غير محدودة ويمكن استخراج المزيد منها باستمرار، ومتعددة الاستخدامات حيث تُستخدم لتحسين الذكاء الاصطناعي، توجيه الإعلانات، صياغة السياسات، وحتى التأثير في الانتخابات. كما أنها قابلة للتكرار والاستخدام بطرق متعددة دون استهلاكها.
هذا الواقع الجديد يعزز هيمنة الولايات المتحدة بفضل شركات التقنية الكبرى مثل جوجل، مايكروسوفت، أمازون، ميتا، وآبل، التي تجمع كميات هائلة من البيانات العالمية وتستخدمها لتطوير تقنيات متقدمة.
لكن هذه الهيمنة تثير تحديات أخلاقية كبرى كما أسلفنا، منها انتهاك الخصوصية حيث يتم جمع البيانات أحيانًا دون علم الأفراد أو موافقتهم، بالإضافة إلى قضايا تسرب البيانات واستغلالها في الإعلانات الموجهة. هناك أيضًا نقص في الشفافية، حيث نادرًا ما توضح الشركات الكبرى كيفية استخدام البيانات أو إلى من تُباع، مما يثير مخاوف حول الرقابة والسيطرة علاوة على ذلك، يُبرز هذا الوضع تفاوتًا عالميًا حيث تُعتبر الدول النامية مصدرًا للبيانات دون أن تحصل على الفوائد الكاملة من استخدامها، مما يعزز الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة.
وكذلك فإنّ مخاطر الهيمنة الأمريكية تتجلى أيضًا في الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الأمريكية في مجالات متعددة، مثل الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، مما يجعل العالم أكثر ارتباطًا وربما اعتمادًا على الولايات المتحدة. وهذا الاعتماد يمنح أمريكا قدرة هائلة على التأثير في اقتصادات وسياسات الدول الأخرى، فضلاً عن تعزيز الاحتكار الذي يحد من الابتكار والتنافسية في الدول الأخرى.
لمواجهة هذه الهيمنة، يحتاج العالم إلى تعزيز السيادة الرقمية عبر تطوير بنى تحتية مستقلة لحماية البيانات الوطنية، وإنشاء قوانين لحوكمة البيانات والسيطرة على تدفقها خارج الحدود؛ والتعاون الدولي هو أيضًا ضرورة لإنشاء تحالفات لتنظيم جمع البيانات واستخدامها، كما فعل الاتحاد الأوروبي مع “القانون العام لحماية البيانات” (GDPR) بجانب ذلك يجب تشجيع الابتكار المحلي من خلال دعم الشركات التقنية الناشئة لتقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، وزيادة التثقيف والوعي بين الأفراد حول كيفية حماية بياناتهم وحقوقهم الرقمية.
في المستقبل ومع تطور الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، ستزداد أهمية البيانات كأداة للتحكم والتأثير؛ وإذا لم تُتخذ خطوات واضحة لحماية السيادة الرقمية للدول والمجتمعات، فقد يتزايد الاعتماد العالمي على الولايات المتحدة مما قد يؤدي إلى صراعات اقتصادية وجيوسياسية جديدة! وبالتالي، فإن الهيمنة الأمريكية على البيانات ليست مجرد قضية اقتصادية، بل تحدٍّ عالمي يتطلب استجابة منسقة لضمان تحقيق التوازن في العالم الرقمي.
الخاتمة، ما الحلول المحتملة لتقليل الهيمنة الأمريكية؟
هناك عدة مقترحات لتقليص الهيمنة الأمريكية على العالم في مجال البيانات مثل إنشاء مراكز بيانات محلية؛ حيث على الدول الاستثمار في إنشاء مراكز بيانات وطنية لتقليل الاعتماد على السيرفرات الأمريكية. وكذلك تشريعات دولية من خلال تطوير قوانين دولية تُنظّم كيفية جمع وتخزين البيانات، بحيث تكون تحت سيادة الدول التي تتعلق بها.
وأيضاً التعاون الإقليمي؛ فدول مثل الاتحاد الأوروبي بدأت بالتحرك نحو إنشاء بنية تحتية رقمية مستقلة من خلال مبادرات مثل Gaia-X وهو مشروع أوروبي يهدف إلى إنشاء بنية تحتية رقمية مشتركة ومفتوحة تستند إلى المعايير الأوروبية لتعزيز السيادة الرقمية في أوروبا.
إنّ سيرفرات التخزين مثل Oracle وSQL IBM تمثل عمودًا فقريًا للهيمنة الرقمية الأمريكية. وجود معظم البيانات في الولايات المتحدة يمنحها قوة استراتيجية واقتصادية وسياسية كبيرة، ولكنه يثير أسئلة أخلاقية حول الخصوصية والسيادة. لتحقيق توازن عالمي، يجب على الدول الأخرى تطوير بنيتها التحتية الرقمية وتبني سياسات واضحة لتنظيم البيانات.
المصادر والمراجع:
- كتاب يتناول كيف تستغل الشركات الكبرى، مثل Google وFacebook، البيانات الشخصية لتحقيق أرباح هائلة، ما يثير قضايا حول الخصوصية والتحكم بالمعلومات.
- Shoshana Zuboff (2019): The Age of Surveillance Capitalism
- يستعرض الكتاب المخاطر الأخلاقية والعملية للنماذج الحسابية الضخمة المستخدمة في اتخاذ القرارات، مثل التوظيف والتعليم والعدالة الجنائية.
- Cathy O’Neil (2016): Weapons of Math Destruction
- تقرير يناقش كيفية تأثير اقتصاد البيانات على الاقتصاد العالمي، من خلال تحليل نماذج الأعمال الجديدة التي تعتمد على البيانات كمورد رئيسي.
- MIT Technology Review: The Data Economy and Its Global Impact
- مقال يوضح طرق استخدام الشركات للبيانات الضخمة لتوقع سلوك العملاء وتحسين العمليات التجارية.
- Harvard Business Review: How Companies Are Using Data to Predict Behavior
- وثائق مسربة توضح برامج المراقبة التي تستخدمها الحكومات، وكيفية استغلال البيانات الشخصية دون علم الأفراد.
- Edward Snowden Leaks (2013): برنامج “PRISM” الخاص بوكالة الأمن القومي الأمريكية
- مقال يناقش السيطرة على البيانات عالمياً، والجهات التي تستحوذ على أكبر قدر من المعلومات.
- The Economist: Who Owns the World’s Data
- تحليل للأبعاد الأخلاقية لاستخدام البيانات في عصر التكنولوجيا الكبرى، بما يشمل قضايا الشفافية والمسؤولية.
- Financial Times: The Ethics of Data Use in the Age of Big Tech
- تقارير تناقش تحديات الأمن والسيطرة على البيانات في ظل هيمنة الشركات السحابية الكبرى مثل (Amazon Web Cloud Security Alliance CSA): تقارير عن هيمنة السوق السحابي.
- مبادرة تهدف إلى إنشاء بنية تحتية رقمية أوروبية تضمن سيادة البيانات واستقلاليتها بعيداً عن الهيمنة الأمريكية والصينية. المبادرة الأوروبية للسيادة الرقمية Services وMicrosoft Azure.8
- القوانين التي أقرها الاتحاد الأوروبي لحماية الخصوصية، والتي تفرض على الشركات الالتزام بمعايير صارمة لجمع البيانات واستخدامها. 10. الاتحاد الأوروبي (2018): لوائح GDPR لحماية البيانات. Gaia-X Project