ياسر حسون
ملخص تنفيذي
يحاول الباحث في هذه المقالة التأكيد على أهمية قبول الرأي الآخر مهما كان مختلفاً، ويقدم شرحاً لحالة التشدد التي تنتقل تدريجياً بالشخص المتشدد إلى وضع لا يستطيع معه أن يتحكم بنفسه. فالمرحلة التي يصل إليها، بمرور الوقت، تجرّده من القدرة على مراجعة النفس وابداء أي نوع من المرونة. بل تغدو أفكاره التي تمسّك بها سجناً، وبدلاً من التمسّك بها يكتشف بأن أفكاره ومواقفه التي نتجت عنها، هي التي تُمْسك به.
هذا ما تناقشه هذه الورقة من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- مدخل
- من هو أبو لهب؟
- ما سبب نزول سورة المسد التي توعدت لأبي لهب وامرأته بالعذاب؟
- عداء أبي لهب وامرأته لمحمد ﷺ ودعوته.
- رأي علم النفس بحالة أبي لهب وامرأته.
- رسالة حافظ الأسد إلى صدام حسين!!
- ملاحظات حول الموقف (الودي) المفاجئ للرئيس السوري إزاء (أخيه) الرئيس العراقي!!
- خطوات تدفع باتجاه نقطة اللاعودة.
- هل كان تعنّت الرئيس العراقي الهدف الرئيس للدبلوماسية الغربية؟
- توقيت الرسالة يكشف زيف كل ما جاء فيها.
- الإجابة على سؤال: “ماذا لو أسلم أبو لهب بعد نزول سورة المسد؟”
- هل تتراجع إيران عن موقفها؟
- خاتمة
مدخل
بادرني أحد الأصدقاء بسؤال في غاية الأهمية، وهو: ماذا لو أسلم أبو لهب بعد نزول سورة المسد؟ هل كان سيتراجع النبي ﷺ عن اعتبار سورة المسد جزءاً من النص الموحى، ويقوم بحذفها منه؟ أم أن نصاً آخر، قد يكون سورةً أخرى، تلغي ما ورد في سورة المسد؟
وسورة المسد توعّدت لأبي لهب وامرأته بالعذاب، وكانا ما يزالان على قيد الحياة، تقول السورة:
﴿تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ (1) مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (2) سيصلى نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ (3) وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۭ (5)﴾.
وهكذا فإن صاحب السؤال يرى أن اسلام كلٍّ من أبي لهب و/أو امرأته، كان سيربك النبي ﷺ ويضع النص الموحى بمواجهة أمر محرج للغاية قد يطيح بمصداقيته. وهناك من قام بتبرير الموضوع بالمفهوم التقليدي للقضاء والقدر، وهو المفهوم الجبري الذي لا يدع مجالاً للإنسان كي يختار مصيره بنفسه، بل هناك قدر محتوم لا محيد عنه.
وهكذا فإن قدر أبي لهب وامرأته هو الكفر ومعاداة محمد ﷺ. ولكن لو كان هذا الكلام صحيحاً، لأصبح الحساب بلا معنى. أما من ينكرون ألوهية النص، كصديقي صاحب السؤال، فإنهم يعتقدون أن النبي ﷺ هو من صاغ هذه السورة كنوع من الحملة الإعلانية بمفهومنا المعاصر، ضد أحد ألد خصومه في مكة، عمّه أبي لهب. وبما أننا لسنا مع أيٍّ من الفريقين المذكورين، قررنا البحث في الموضوع لعلّنا نصل إلى إجابة لهذا السؤال.
أبو لهب
أبو لهب، هو أحد أعمام النبي محمد ﷺ واسمه: عبد العزى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عتبة. وإنما سمي “أبا لهب” لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله ﷺ والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه.[1] وفي باب “ذكر المستهزئين ومن كان أشد الأذى للنبي ﷺ يقول ابن الأثير: “فمنهم عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب كان شديداً عليه وعلى المسلمين عظيم التكذيب له دائم الأذى، فكان يطرح العذرة والنتن على باب النبي ﷺ، وكان جاره”.[2] ويضيف: “ومات أبو لهب بمكة عند وصول الخبر بانهزام المشـركين ببدر، بمرض يعرف بالعدسة”.[3] وكما هو معلوم، فإن غزوة بدر وقعت في الثانية للهجرة، حيث ذكرها الطبري في فصل السنة الثانية للهجرة.[4]
سبب نزول سورة المسد
وحسب الروايات، فإن سورة المسد التي تَعِد أبي لهب وامرأته بالعذاب، وبنارٍ ذات لهب، قد نزلت في السنة الرابعة من البعثة.[5] وتذكر الروايات موقف عداء أبي لهب وامرأته للنبي محمد طيلة سنوات دعوته الأربع قبل نزول السورة. ومن هذه الروايات ما ذكر عن سبب نزول سورة المسد: “أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: “يا صباحاه”، فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقونني؟ “قالوا: نعم،” “قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد”، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا، تبا لك.” [6]
وهناك العديد من الروايات التي تتحدث عن ملاحقة أبي لهب للنبي ﷺ أثناء سيره بين القبائل ودعوتهم لعبادة إله واحد، وكيف كان يكذّبه ويستهزئ به. وقد روى ربيعة بن عباد الديلي كيف رأى أبي لهب يعقّب على كلام النبي قائلاً: “يا بنى فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن من بنى مالك بن أقيس إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تسمعوا له ولا تتبعوه.” [7]
عداء أبي لهب وامرأته لمحمد ودعوته
وقد سعى أبو لهب لمحاربة النبي ﷺ بكل الوسائل، ولم يتوانَ في بذل ماله أيضاً. وتذكر احدى الروايات كيف كان يطلب من التجار أن يرفعوا أسعار بضائعهم على أتباع النبي، ويعدهم بالتعويض إن كسدت بضاعتهم: “كانت الصحابة إذا قدمت عير إلى مكة يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئاً من الطعام قوتاً لعياله فيقوم أبو لهب فيقول: يا معشـر التجار: غالوا على أصحاب محمد ﷺ حتى لا يدركوا معكم شيئاً، وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي، فأنا هنا من لا كساد عليكم فيزيدون عليهم في السلعة قيمتها أضعافا، حتى يرجع أحدهم إلى أطفاله يتضاغون من الجوع، وليس في يده شيء يطعمهم به، ويعدو التجار على أبى لهب فيربحهم فيما اشتروا من الطعام واللباس حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعاً وعرياً.” [8] وكانت امرأة أبي لهب شريكة له في كل هذا، بل كان حقدها على النبي ﷺ أشدّ، وكثيرةٌ هي الروايات التي تتحدث عن مضايقتها له، وهجاءها وشتمها للنبي وصحابته. ويروى عنها أنها كانت تقول: “مذمماً عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا”.[9]
رأي علم النفس بحالة أبي لهب وامرأته
وهكذا فإن هذا الاعتداء المتواصل على النبي وأصحابه طيلة أربع سنوات، وعلى رؤوس الأشهاد أمام جميع القبائل، وأولها قريش، قد عزز الموقف العدائي لأبي لهب وامرأته تجاه النبي ودعوته. وأدى هذا تدريجياً إلى تصعيد أعمالهم العدائية بكل الوسائل المتاحة، لا سيما بعد كل مرة كانا يفشلا فيها في التأثير على دعوته. وهذا التصاعد التدريجي في معاداة النبي وصل بهما إلى مرحلة لم يعد بإمكانهما التراجع عنها.
وتدعى هذه المرحلة في علم النفس نقطة اللا عودة. وقد عرَّف عالم النفس السير “فريدريك بارتليت” في كتابه “التفكير” الذي صدر عام 1958، نقطة اللا عودة بأنها: “النقطة التي يصبح فيها الشخص ملتزماً بمسار عمل معين بحيث لا يمكن له العودة أو التراجع”.
رسالة حافظ الأسد إلى صدام حسين
هناك حادثة شهيرة حصلت أوائل العقد الأخير من القرن العشـريـن، تبيّن خطورة الوصول إلى نقطة اللا عودة وتأثيرها على الإنسان، بحيث تجرّده من القدرة على التحكم بما يعمل. والحادثة تتعلق بالرسالة التي وجهها الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد إلى الرئيس العراقي صدام حسين، ينصحه فيها بالانسحاب من الكويت.
وكانت الرسالة صادمة للجميع بما تضمنته من لغة محبة وأخوّة بين الرئيسين! فالعداء المستحكم بينهما كان معروفاً للجميع، ومحاولات الاغتيال التي كان يدبرها كل طرف للآخر، هي أقل ما يمكن أن يذكر في إطار الحديث عن هذا العداء.
لذلك تصدرت وسائل الإعلام العناوين البارزة التي تقول: حافظ الأسد يوجّه نداءً مفتوحاً إلى نظيره العراقي صدام حسين يدعوه إلى الانسحاب من الكويت تجنباً للحرب وإلى إصلاح العلاقات السورية/العراقية، واعداً بأن تقاتل سوريا إلى جانب العراق في حال تعرضه لعدوان بعد الانسحاب!!
وهكذا، بعد سنوات من العداء والمؤامرات بين الأخوة الاعداء، يخرج علينا الرئيس السوري برسالةٍ إلى عدوّه اللدود يقول فيها: “السيد الرئيس صدام حسين رئيس الجمهورية العراقية.. بمشاعر أخوية صادقة ومن منطلق إدراك الأخطار المحدقة بالوطن العربي عامة وبالعراق الشقيق خاصة اتوجه اليكم بهذه الرسالة عبر الأثير.”
ثم يضيف الرئيس السوري: “وكلي أمل في أن تلقى رسالتي منكم التفهم لحقيقة دوافعي والاستجابة التي أتوخاها”. وهنا لا يستطيع أي سوري أو عراقي ممن عانوا من نتائج الصـراع بين كلا النظامين، ويعرف دوافع كلا الرئيسين تجاه بعضهما، إلا أن ينفجر ضاحكاً عندما يسمع ما ورد في رسالة الرئيس السوري مخاطباً “أخيه وشقيقه صدام حسين!!”.
ملاحظات حول الموقف (الودي) المفاجئ للرئيس السوري إزاء (أخيه) الرئيس العراقي!!
وفي محاولة لفهم سبب هذا الموقف المفاجئ الذي صدر عن الرئيس السوري تجاه عدوّه اللدود، نتوقف أمام مجموعة من الملاحظات:
أولها، يتعلق بتاريخ الرسالة وهو 12/01/1991. وتتأتى أهمية هذا التاريخ من أنه هو اليوم نفسه الذي قام فيه وزير الخارجية الأميركي في حينها، جيمس بيكر، بزيارة خاطفة إلى سوريا.
ثانياً، تمّت تلاوة الرسالة بعد مغادرة وزير الخارجية الأميركي سوريا، على كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمكتوبة في سوريا. وتم تناقلها عبر وسائل إعلام اقليمية أيضاً.
وأخيراً، الملاحظة الأهم، وهي أن توقيت الرسالة جاء قبل بدء الحرب على العراق لتحرير الكويت فقط بأيام قليلة، حيث بدأت العمليات العسكرية ضد العراق بتاريخ 17/01/1991.
خطوات تدفع باتجاه نقطة اللا عودة
الآن إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف الحكومات الغربية تجاه العراق بعد احتلال الكويت، تتوضّح الصورة أكثر. حيث خرج علينا المسؤولون الغربيون في وسائل الإعلام بتصـريحات لا تدع مجالاً لأي طرف دولي أو عربي للتدخل وحلّ المشكلة بشكل سلمي واقناع العراق بالانسحاب من الكويت. بل كانت لهجة التصريحات قاسية ومستفزة للرئيس العراقي وتحمل نبرة تدفعه للتشبث برأيه. وهذا الأمر لا يدع مجالاً لأي حل سلمي، واقناع النظام العراقي بالتراجع عن الخطأ الذي ارتكبه بحق دولة جارة مستقلة.
قرار مجلس الأمن رقم 678
وبتاريخ 29/11/1990، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 678، الذي يدعو إلى استخدام “كل الوسائل الضرورية” لإجبار العراق على الانسحاب من الكويت، إذا لم يفعل ذلك بحلول 15 يناير/كانون الثاني 1991. وفي الواقع، انضم هذا القرار، الذي يبدو في ظاهره دفاعاً عن الكويت، بلهجة التهديد التي يتضمنها، إلى سلسلة التصريحات المستفزة التي تدفع الرئيس العراقي للتشبث برأيه وعدم التفكير بالانسحاب. لأنه سيبدو أمام جماهيره، بعد الخطب الرنانة التي ألقاها بعد احتلال الكويت، جباناً ورعديداً، وسيبدو الانسحاب بأنه عمل مهين ومذلّ، إن استجاب للقرار 678.[10]
رسالة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) إلى صدام حسين
ولحشر الرئيس العراقي في الزاوية أكثر، بحيث يصبح التفكير بالانسحاب أمراً مستحيلاً، تم الاعلان عن رسالة من الرئيس بوش إلى الرئيس العراقي. الرسالة التي وصفتها بعض الصحف بأنها غير مهذبة، بحيث يصبح قبول العراق لما ورد فيها فعلاً مذلاً ومهيناً، الأمر الذي لا يفتح المجال للتفكير بتغيير موقف العراق أبداً. وكان مضمون الرسالة يحمل لهجة تهديد ووعيد للرئيس العراقي وللعراق ككل، حيث قال في رسالته:” نقف اليوم على شفا حرب بين العراق والعالم. بدأت هذه الحرب بغزوكم للكويت، ولن تنتهي إلا بامتثال العراق الكامل وغير المشروط لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 678.” [11]
هل كان تعنّت الرئيس العراقي الهدف الرئيس للدبلوماسية الغربية؟
ويبدو أن هدف الحكومات الغربية، لا سيما حكومة الولايات المتحدة، هو تدمير دولة العراق وليس تحرير الكويت فحسب. الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بدفع الرئيس العراقي إلى نقطة اللا عودة. لذلك استخدمت معه لغة مستفزة، تحمل التهديد والوعيد بشكل علني، لدفعه للتمسك برأيه، وألّا يعيد النظر في الخطأ التاريخي الذي ارتكبه، ويقرر الانسحاب من الكويت قبل التاريخ الذي حدده قرار مجلس الامن رقم 678.
وتشبث الرئيس العراقي بموقفه سيؤدي بالضرورة إلى غلق كافة الأبواب أمام أي حل سلمي للأزمة يجنّب العراق وشعبه حرباً كارثية. ويمكننا اعتبار استقالة وزير الدفاع الفرنسي “جان بيير شفنمان” مؤشراً على ما كان يُبيّت للعراق وشعبه، وليس لقيادته التي استمرت في الحكم لأكثر من عشر سنوات بعد الحرب. فقد جاءت الاستقالة اعتراضاً على تجاوز العمليات العسكرية لهدفها، وهو تحرير دولة الكويت، إلى تدمير العراق وشلّ كافة بناه.[12]
توقيت الرسالة يكشف زيف كل ما جاء فيها
وهكذا فإن توقيت رسالة الأسد الأب إلى صدام حسين، قبل انتهاء مهلة مجلس الأمن بخمسة أيام، يدلّ على أن الغاية من الرسالة ليس إيجاد حلّ سلمي للأزمة، وإنما لتبرير مشاركته بالحرب إلى جانب الدول الغربية، التي لطالما اتهم معارضيه بأنهم عملاء لها حربٌ ضد دولة عربية تنتمي “للأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة”، ذلك الشعار الذي كان على عشرات آلاف الطلاب السوريين ترديده صباح كل يوم قبل بدء دروسهم الصباحية، طيلة فترة حكمه لسوريا. وطبعاً كان الهدف من زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة هو الايعاز للأسد لإرسالها، بعد أن تأكدت بأن الرئيس العراقي قد وصل إلى نقطة اللا عودة.
هل تتراجع إيران عن موقفها؟
تتعلق هذه الحادثة الساخنة بما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط، من أعمال حربية بين إيران واسرائيل، وهو سيناريو مشابه لما حدث مع العراق. فقبل اندلاع الحرب، يبدو من خلال التصريحات التي أدلى بها المسؤولون في الولايات المتحدة، ونظرائهم الاسرائيليون، وكأن اندلاع أعمال عسكرية ضد إيران أمرٌ مستبعد. بل أشارت بعض التصريحات إلى أن العلاقة بين الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء الاسرائيلي تمر بفترة سيئة.
كما تنبّه المراقبون أيضاً إلى أن الرئيس الامريكي في كلمته بمنتدى الاستثمار الأمريكي السعودي في الرياض، بخلاف المعتاد من رؤساء أمريكا السابقين الذين زاروا المنطقة، لم يذكر أية عبارة حول السلام مع اسرائيل، أو حول أمنها، إضافة إلى أنها خلت من جدول زياراته إلى المنطقة. وكان آخر تصريح له، قبل بدء العمليات العسكرية على إيران، يتحدث فيه عن تقدم جيد بالمفاوضات. وترافق ذلك مع تصريحات لمسؤولين أمريكيين عن عدم موافقة إدارته على المشاركة بأي عمل عسكري ضد إيران. وهذا كله أعطى مؤشرات مطمئنة للقادة الايرانيين.
ثم فوجئ الجميع ببدء القصف الجوي على أهداف عسكرية إيرانية! وبعد أن قامت إيران بالرد، دعاها الرئيس الأمريكي إلى العودة للمفاوضات، وإلا “فإن الأيام القادمة ستكون أكثر قسوة”!! مما يحمل تهديداً يضع القادة الايرانيين في وضع لا يمكنهم قبول دعوته تلك. وتدرّجت لهجة الاستفزاز والتهديد إلى أن وصلت إلى أنه لا يقبل إلا “الاذعان الكامل” من إيران!! وكما أننا يجب أن ننسى التصريحات عن اغتيال المرشد الأعلى السيد خامنئي، التي تشخصن الصراع، وتدفعه نحو الأسوأ. وكأنه ضد أشخاص وليس ضد إيران ككل، مما يجعل القيادة الايرانية تضطر إلى التمسك بمواقفها، وتصل بذلك إلى نقطة اللا عودة.
الإجابة على سؤال: “ماذا لو أسلم أبو لهب بعد نزول سورة المسد؟”
نعود الآن إلى قصة أبي لهب، حيث أثناء زيارتي للمفكر الراحل محمد شحرور آنئذٍ، تعرّضنا للسؤال المذكور أعلاه: “ماذا لو أسلم أبو لهب بعد نزول سورة المسد؟”، فاقترب مني المفكر الراحل وهمس قائلاً: “لقد علمت أمريكا بأن صدام حسين قد وصل إلى نقطة اللا عودة بعد خمسة أشهر ونيف، ولذلك سمحت للأسد أن يرسل له تلك الرسالة، أليس من الطبيعي، أن يكون أبو لهب وامرأته قد وصلا إلى نقطة اللا عودة، بعد أربع سنوات من العداء لمحمد؟!!”
خاتمة
أخيراً، نقول إن التشدد والتعنّت وعدم التحلّي بالمرونة الكافية لتجنب الوقوع في شرك “نقطة اللا عودة”، قد يدفع المرء بشكل تدريجي إلى الوقوع في هذا الفخ، ولا يعد بإمكانه مراجعة أفكاره وآراءه. لذلك فإن المطلوب هو قبول الرأي الآخر مهما كان مختلفاً، لأن التعددية على هذه الأرض لها وجه آخر، وهو وحدانية الإله في السماء. وهناك حديث منسوب إلى النبي يقول فيه: “النظافة من الإيمان”، وعليه يمكننا القول قياساً على هذا الحديث أنّ: “التعددية من الإيمان”.
هوامش
[1] ـــ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، القاهرة 1999، ج:8. ص: 514.
2 ــ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبد الله القاضي،، دار الكتب العلمية، بيروت 1987، ج:1. ص: 592.
4 ـــ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية، القاهرة 1967، المجلد:2. ص: 421.
5 ـــ الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر 1984، ج31 ص: 599.
6 ـــ محمد رأفت سعيد، تاريخ نزول القرآن، دار الوفاء، المنصورة 2002، ص128.
10 https://www.britannica.com/list/persian-gulf-war-timeline
11 https://www.nytimes.com/1991/01/13/world/confrontation-in-the-gulf-text-of-letter-from-bush-to-hussein.html
12 https://en.wikipedia.org/wiki/Jean-Pierre_Chev%C3%A8nement