على الرغم من أنّهما يبدوان للوهلة الأولى على طرفي نقيض — من جهة الإخوان المسلمون السنّيّون، ومن جهة أخرى النظام الشيعي في طهران — فإنّ الحركتين تتشاركان أكثر بكثير مما يفرّقهما. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، عاد القرب الأيديولوجي بين هذين الفاعلين الإسلامويين إلى دائرة الضوء. فعلى الرغم من الاختلافات العقائدية، يتوحدان في رؤية استبدادية مشتركة للحكم، وفي رفض النماذج السياسية الغربية، وفي فهم مشترك للدين بوصفه أداة للسلطة والسيطرة.
«الدولة الإسلامية» كهدف سياسي
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد حسن البنّا، ساعية إلى إعادة الإسلام كنظام شامل ينظّم المجتمع بأسره. وبالمثل، أطلقت إيران ما بعد الثورة تحت قيادة آية الله روح الله الخميني مشروعها الخاص للحكم الديني: «ولاية الفقيه». وكلا الحركتين ترفضان رفضًا قاطعًا فصل الدين عن الدولة، وتدافعان عن نظام ثيوقراطي ينظر إلى المؤسسات الديمقراطية على أنّها مجرد أدوات تكتيكية.
ولا تقوم رؤيتهما الأيديولوجية على المشاركة في أنظمة تعددية، بل على إقامة نظام شمولي ذي أسس دينية — يتّسم بالرقابة، والفصل بين الجنسين، وتجريم المعارضة. ففي كلتا الحالتين، لا يُفهم الإسلام كقناعة روحية بقدر ما يُستخدم كوسيلة أيديولوجية للهيمنة السياسية.
أعداء مشتركون: الغرب وإسرائيل
ترى الحركتان في الديمقراطيات الغربية انحطاطًا أخلاقيًا وعداءً جوهريًا للإسلام. وتستهدف دعاياتهما بشكل منهجي الليبرالية والعلمانية ودولة القانون. وأبرز ما يجمع بينهما هو العداء المشترك تجاه إسرائيل: إذ أمضى النظام الإيراني عقودًا يغذّي الخطاب المعادي للسامية ويمدّ حزب الله بالسلاح في حربه ضد الدولة اليهودية، بينما تروّج جماعة الإخوان — بما في ذلك فرعها الفلسطيني «حماس» — للكفاح المسلّح ضد إسرائيل باعتباره واجبًا دينيًا.
وقد تُرجِم هذا التقارب الأيديولوجي إلى تعاون براغماتي عملي. فقد تلقت «حماس» مرارًا دعمًا ماليًا ولوجستيًا وعسكريًا من طهران — رغم الفارق الطائفي السنّي-الشيعي. ويبقى القاسم المشترك بينهما هو مقاومة النفوذ الغربي ورفض وجود إسرائيل في الشرق الأوسط.
ازدواجية استراتيجية
تعتمد جماعة الإخوان المسلمين والنظام الإيراني على استراتيجية مزدوجة: إذ تُظهِران للخارج اعتدالًا وانفتاحًا على الحوار والتزامًا بالاستقرار — لا سيما تجاه أوروبا — بينما تنفّذان في الداخل أجندات استبدادية، فتقمعان المعارضين وتقوّضان الهياكل التعددية.
ففي مصر، استغلت الجماعة الانفتاح السياسي بعد ثورة 2011 لانتخاب محمد مرسي رئيسًا. وما إن تسلّم السلطة حتى سارعت حكومته إلى إعادة صياغة الدستور، وإضعاف القضاء، وقمع وسائل الإعلام المعارضة. وسار المشهد في إيران على مسار مشابه عام 1979، حين تحوّلت الوعود المبكّرة بالحرية سريعًا إلى دكتاتورية ثيوقراطية.
أرضية أيديولوجية مشتركة
رغم الاختلافات العقائدية، تبرز عدة نقاط تلاقٍ أيديولوجي بينهما:
- الإسلام كنظام شامل: كلا الحركتين لا تريان الإسلام أساسًا كإيمان روحي، بل كنموذج شامل ينظم المجتمع سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا.
- إطلاقية دعوية: سواء كانت سنّية أو شيعية، تدّعي كل منهما أنّها تمثل «الإسلام الحق»، وتستمد من هذا الادعاء تفويضًا لـ«إصلاح» المسلمين والمجتمعات بأسرها.
- تفكير تآمري: يغرق كلا المنظورين في الإيمان بوجود مؤامرة عالمية مستمرة ضد الإسلام — تقودها الصهيونية، أو الحكومات الغربية، أو أعداء من داخل المسلمين أنفسهم.
- حكم رجال الدين: صحيح أنّ الإخوان لا يدعون صراحة إلى نظام رجال دين على غرار إيران، لكنهم يروّجون لحكم «القادة الأتقياء» والعلماء الشرعيين الذين يزعمون امتلاك شرعية إلهية.
أثر مشترك مزعزع للاستقرار
لهذا التلاقي الأيديولوجي عواقب ملموسة في الواقع. إذ يعمل كلاهما على إضعاف مؤسسات الدولة واستقطاب المجتمعات التعددية — سواء عبر هياكل موازية، أو عبر التنشئة الأيديولوجية، أو عبر تعبئة الشباب. ففي دول مثل مصر ولبنان وسوريا، ساهمت شبكات مرتبطة بالإخوان وميليشيات مدعومة من إيران في زعزعة النظام السياسي وتعزيز أجندات دينية استبدادية.
وتبرز ديناميكيات مماثلة بشكل متزايد في أوروبا، حيث تنشط منظمات مرتبطة بطهران أو الإخوان داخل المساجد والمراكز الثقافية والمؤسسات الدينية — وغالبًا ما تردد نفس الخطابات عن المظلومية، والإسلاموفوبيا، ونفاق الغرب.
خاتمة: خصمان مذهبيًا، متواطئان استراتيجيًا
رغم انتمائهما لتقاليد طائفية مختلفة، يتقاسم الإخوان المسلمون والنظام الديني في إيران شكلًا استبداديًا من الإسلاموية يرفض التعددية، ويبرر العنف، ويستخدم الدين أداة للوصول إلى السلطة السياسية. إنّ تلاقيهما ليس تحالفًا تقليديًا، بل تواطؤ أيديولوجي — خطير، مرن، وصعب التفكيك.