تقدير موقف
الملخص التنفيذي:
تبحث هذه الورقة في الأسباب التي أدت إلى فشل الحكومة الألمانية التي يطلق عليها لقب (إشارة المرور)، لعدم قدرتها على الاستمرار رغم تمكنها من تمرير العديد من القوانين المهمة والأساسية خلال ولاية “أولاف شولتس” بالإضافة إلى العوامل الخارجية التي أثرت على السياسة الداخلية مع التركيز على الشكل المستقبلي للحكومة الألمانية القادمة بعد الإعلان عن موعد الانتخابات المبكرة.
ونتساءل: ما هو تأثير الأحداث الأخيرة في ألمانيا على مستقبل أوروبا والعلاقات مع الولايات المتحدة والإدارة الجديدة للرئيس ترامب والحرب في أوكرانيا؟ من خلال المحاور التالية:
المحاور:
- المدخل
- أين مشكلة الائتلاف الحاكم؟
- دور فوز ترامب بانهيار الحكومة الألمانية!
- ما التوقعات حول مصير الانتخابات؟
- استشراف سياسة الحكومة الألمانية القادمة!
- سياسة الحكومة تجاه الإسلام والمسلمين!
- الخلاصة
المدخل
مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكي التي فاز بموجبها دونالد ترامب، انهار الائتلاف الحكومي في برلين، عقب خلافات بين المستشار الألماني “أولاف شولتس” الذي يقود الحزب الديمقراطي الاشتراكي ووزير المالية “كريستيان ليندنر” من الحزب الديمقراطي الحر، ما يعني نهاية الائتلاف الثلاثي الذي يعرف بائتلاف إشارة المرور الذي تشكل بعد انتخابات أيلول/سبتمبر 2021، الذي ركز خلال فترة إدارته للبلاد على مكافحة تغير المناخ، وتحديث البنية التحتية، ودعم التحول الرقمي في الاقتصاد الألماني.
شعبية الأحزاب الحاكمة تراجعت بعد عدة أزمات مالية عقب جائحة كورونا وبدء الحرب في أوكرانيا، وما أعقبها من موجة تضخم كبيرة، وحققت هذه الأحزاب تراجعاً كبيراً في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في 9 حزيران/يونيو 2024، فيما شهدت هذه الانتخابات تقدماً ملحوظاً لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي كانت تتزعمه المستشارة الألمانية السابقة “أنجيلا ميركل” التي حكمت ألمانيا لمدة 13 عاماً متتالية، وهو تقدم أكدته استطلاعات الرأي الأخيرة، فيما حقق حزب البديل من أجل ألمانيا نتائجاً غير متوقعة.
أين مشكلة الائتلاف الحاكم؟
تكمن مشكلة الحكومة الألمانية في التباين الأيديولوجي والأهداف الاقتصادية، فبينما يركز كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاشتراكي على زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والتحول البيئي، يتبنى الحزب الديمقراطي الحر سياسة اقتصادية ليبرالية؛ تدعم القطاع الخاص وتقلل الدين العام وخفض الضرائب، وهو الأمر الذي خلق صعوبات في التوصل إلى قرارات موحدة، خاصةً في السياسات المالية والاقتصادية.
كما افتقرت الأحزاب إلى التنسيق الضروري للقيام بمهامها في الحكومة، وظهر هذا الخلاف في عدة مجالات، مما أضعف الثقة بين الشركاء في الحكومة خاصة في ظل ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة، هذه الأزمة الاقتصادية جعلت الائتلاف في موقف صعب وأثارت انتقادات بسبب عدم قدرته على إيجاد حلول فعالة وسريعة لدعم المواطنين والشركات.
وكانت ألمانيا تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية، ولذلك تسبب قطع الغاز الروسي في أزمة طاقة خانقة على الرغم من جهود الحكومة في البحث عن بدائل، فإن هذه المسألة شكلت تحدياً كبيراً خصوصاً مع تباين وجهات النظر حول استخدام الطاقة النووية والفحم. يضاف إلى ذلك تراجع الصادرات الألمانية إلى الصين، والمنافسة الصينية لقطاع السيارات الألماني، حيث غزت السيارات الكهربائية الصينية الأسواق العالمية بسبب إنتاجها الكثيف ورخص ثمنها ودعم الحكومة الصينية السخي لها.
وهنا ظهر الخلاف بشكل رئيسي بين حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، إذ إنّ حزب الخضر يضع في مقدمة أولوياته مسألة التحول إلى الطاقة النظيفة، ويسعى لتسريع التخلي عن الفحم وتعزيز الطاقة المتجددة مهما كانت النتائج. لكن الحزب الديمقراطي الحر يطالب بالتوازن بين التحول البيئي ودعم الاقتصاد، مما أدى إلى بطء في تنفيذ الإصلاحات البيئية المطلوبة.
في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2024، أعلنت الحكومة عن وصول عدد اللاجئين القادمين إلى البلاد إلى رقم قياسي جديد لم يبلغه منذ منتصف القرن الماضي، وبحسب السجل المركزي للأجانب في ألمانيا يعيش في البلاد حوالي (3.48) مليون لاجئ في نهاية النصف الأول من العام 2024، حسبما ذكرت صحيفة “نويه أوسنابروكر تسايتونغ” في 20 أيلول/ سبتمبر 2024.
أدت هذه الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين وخاصة القادمين من أوكرانيا إلى زيادة الأعباء على الحكومة وعلى البنية التحتية ونظام الرعاية الاجتماعية، ولم تستطع الحكومة التعامل بفعالية مع هذا التحدي بسبب تباين وجهات النظر بين الأحزاب حول سياسة الهجرة والاندماج.
وأما بما يخص سياسة ألمانيا تجاه الحرب في أوكرانيا، فتم توجيه انتقادات واسعة حول تردد الحكومة الألمانية في دعم أوكرانيا، هذا التردد أثّر على صورة ألمانيا في الساحة الدولية. ولم تستطع الحكومة الوصول إلى سياسة موحدة حيال روسيا بسبب اختلاف أولويات الأحزاب الثلاثة. هذا التباين جعل السياسة الخارجية الألمانية تبدو مترددة وغير فعّالة في معالجة التحديات الأوروبية.
جميع هذه العوامل، أدت إلى ارتفاع شعبية المعارضة وتراجع شعبية الأحزاب الحاكمة إلى حد باتت فيه المعارضة تتدخل في صنع القرارات وفرضها أحياناً من موقع قوة بالاستناد على استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات الأوروبية التي حقق فيها الحزب الديمقراطي المسيحي تقدماً كبيراً.
دور فوز ترامب لانهيار الحكومة الألمانية!
جاء انهيار الائتلاف الحكومي عشية فوز ترامب في الانتخابات، الأمر الذي من شأنه أن يخلق تحديات كبيرة لحكومة لديها توجهات مختلفة تماماً عن سياسات ترامب المعهودة، وفي بيان قصير ألقاه “شولتس” في المستشارية، دعا أوروبا إلى توحيد قواها. قال فيه: “بصفتي مستشاراً لألمانيا، أعمل على تحقيق ذلك” وكان قد تبادل الأفكار بالفعل مع الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” فور صدور النتائج، وأوضحت وزيرة الخارجية “انالينا بيربوك” أن التعاون لن يكون سهلاً: “كما هو الحال في أي شراكة جيدة، حيث توجد خلافات سياسية بلا شك”.
ويبدو أن هذا الحدث كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث تخشى الحكومة الحالية أن تظهر خلافات كبيرة بين ألمانيا والولايات المتحدة، في الوقت الذي تتورط فيه ألمانيا بدعم أوكرانيا، كما أن ترامب عبر عن استيائه أكثر من مرة من ميزان التجارة الذي يميل لصالح ألمانيا، وتحدث عن عزمه رفع الضرائب الجمركية على الواردات من ألمانيا! ولن يتنازل ترامب أيضاً عن مطالبته الدول الأوروبية بدفع جزء من ميزانيتها لحلف شمال الناتو.
ويبدو أن المعارضة وخاصة الحزب الديمقراطي المسيحي، دعت إلى انتخابات جديدة بسبب فشل المستشار “شولتز” في إعداد ألمانيا لفوز ترامب في الانتخابات؛ واتهم رئيس الحزب “فريدريش ميرس” حكومة شولتس بأنها وقعت في خطأ بعدما دعمت من جانب واحد المرشحة الديمقراطية “كامالا هاريس” قبل الانتخابات، وأضاف أن ترامب يتمتع بذاكرة جيدة؛ ولن يتم استشارة الحكومة الفيدرالية الحالية بعد الآن من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي ضوء فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، يسعى “ميرتس” لإبرام اتفاقيات سريعة مع الإدارة الأمريكية الجديدة بهدف تعزيز مكانة ألمانيا الدولية. ويرى “ميرتس” أن على ألمانيا تحسين أسلوبها في التفاوض مع الولايات المتحدة لضمان تحقيق مكاسب متوازنة لكلا الطرفين. ومن بين الأفكار التي طرحها كان الاتفاق على صيانة طائرات F-35 الأمريكية في ألمانيا ما يضمن مكاسب اقتصادية للبلدين.
ورغم أن “ميرتس” كان قد حذر سابقاً من الآثار السلبية المحتملة لعودة ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بموقفه من حلف الناتو والأمن الأوروبي، إلا أنه الآن يدعو إلى بناء علاقة براغماتية مع ترامب بعيداً عن العداء الظاهر الذي أبدته حكومة “شولتس” التي دعمت المرشحة الديمقراطية “كامالا هاريس”.
وهذا ما يعني أن عملية حل الحكومة الاتحادية جاءت بشكل أو بآخر استجابة لانتخاب ترامب فمن المفيد لألمانيا وجود حكومة جديدة قادرة تمتلك بعض نقاط التلاقي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة أن الحزب الديمقراطي المسيحي بات خلال السنوات القليلة الماضية أقرب إلى اليمين منه إلى يمين الوسط، الأمر الذي يجعله أكثر مقبولية من جانب الإدارة الجمهورية، بالمقارنة مع كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الاشتراكي القريب من اليسار، ولذلك يريد “ميرتس” إجراء انتخابات جديدة بسرعة استعداداً لعقد صفقات مع ترامب.
ما التوقعات حول مصير الانتخابات؟
أعلن “أولاف شولتس” أنه سيدعو إلى التصويت على الثقة في منتصف ك 2/ يناير 2025 وفق القانون الأساسي الذي هو بمثابة دستور ألمانيا، لا يجوز لأعضاء البرلمان الألماني (البوندستاغ) أنفسهم اتخاذ قرار بشأن إجراء انتخابات اتحادية مبكرة؛ ولا حتى المستشار نفسه يستطيع أن يقرر ذلك، ويسمح القانون بحل البرلمان الألماني (البوندستاغ) مبكراً في حالتين فقط:
- الأولى في حالة لم يتم تحقيق أغلبية برلمانية لانتخاب المستشار، أي عندما لا يحصل المرشح لهذا المنصب على صوت واحد على الأقل إضافة إلى نصف إجمالي أعضاء البرلمان وفي هذه الحالة يصبح بإمكان الرئيس الاتحادي حل البرلمان! ولكن هذه الحالة لم تحدث قط في تاريخ الجمهورية الاتحادية.
- والحالة الثانية، يطلب المستشار من البرلمان الألماني (البوندستاغ) التصويت على الثقة، وهو بهذا يدعو للتحقق مما إذا كان لا يزال يحظى بالدعم اللازم من النواب، وفي حالة سحبت الأغلبية ثقتها بالمستشار، فيمكن للرئيس الاتحادي بناءً على مقترح المستشار حل البرلمان في غضون 21 يوماً.
وبمجرد حل البرلمان يصبح من الضروري إجراء انتخابات مبكرة في غضون (60) يوماً مع اتباع نفس مبادئ الانتخابات الاتحادية العادية، ويتولى مسؤولية التنفيذ كل من مفوضية الانتخابات الاتحادية ووزارة الداخلية الاتحادية.
وتوصل زعماء البرلمان من أكبر حزبين سياسيين في البلاد ــ وهما الحزب الاشتراكي الديمقراطي المنتمي إليه شولتس، والتحالف المسيحي المحافظ المعارض ــ إلى اتفاق حول موعد الانتخابات المبكرة في شباط/ فبراير 2025، إذا لم يحصل المستشار الألماني على الدعم الكافي من البرلمان.
ووفقًا لرئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين “مارسيل فراتشر” فإن النزاع المستمر في ائتلاف إشارات المرور المنهار يمكن أن يضر أيضًا بالحكومات المستقبلية، “لأن الصراعات الأساسية الكبرى ستستمر في الوجود في الحكومة الفيدرالية الجديدة بغض النظر عن تركيبتها”. هناك “خلاف كبير” بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، خاصة عندما يتعلق الأمر بكبح الديون.
بدأت الأحزاب الألمانية تستعد للانتخابات، وشهدت الأيام الأخيرة نقاشات حول قيام الحزب الديمقراطي الاشتراكي بتسمية “شولتس” كمرشح لمنصب المستشار، وتحدث السياسيان “ماركوس شرايبر” و”تيم ستوبروك” من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في هامبورغ وكلاهما عضوان في المجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي من هامبورغ عن رغبتهم بعدم عودة المستشار شولتس إلى الترشح مرة أخرى، وبدلاً من ذلك يقترحون أن يتولى وزير الدفاع “بوريس بيستوريوس” هذا المنصب ويقولون: “مع كونه السياسي الألماني الأكثر شعبية لفترة طويلة، كمرشحنا لمنصب المستشار، فإن فرصنا في أن نصبح أقوى حزب أو على الأقل القيام بعمل أفضل بشكل ملحوظ ستكون أكبر بكثير”.
من جهته أوضح “بيستوريوس” أنه ليس لديه طموحات للترشح لمنصب المستشار، وقال في إشارة إلى شولتس: “لدينا مستشار فيدرالي وهو المرشح المعين لمنصب المستشار”. كما أشار “بيستوريوس” إلى أنه يرغب في الاستمرار في شغل منصب وزير الدفاع في الائتلاف الحكومي الجديد، وأعرب عن رغبته في أن يتمكن من “مواصلة العمل” مع الموظفين في وزارته وفي الجيش الألماني.
وبحسب استطلاعات الرأي:
- سيمنح المواطنون “فريدريش ميرتس” (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي)، مرشح الاتحاد لمنصب المستشارية تقدماً واضحاً، ويرى المشاركون في الاستطلاع أن الفرصة ضئيلة أمام المستشار الحالي “أولاف شولتس”
- وعبر 44% من حوالي (2200) مشارك في الاستطلاع عن ثقتهم بأن “ميرتس” سيقود الحكومة الفيدرالية المقبلة، وفقًا لاستطلاع أجراه معهد “يوجوف” نيابة عن وكالة الأنباء الألمانية، ويرى 6% فقط أن أفضل الفرص متاحة لشولتس، بينما يرى 7% بأن مرشح حزب الخضر وزير الاقتصاد “روبرت هابيك” سيحصل على المنصب.
- ويرى 13% من المستطلعين أن زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا “أليس فايدل” يمكن أن تحصل على منصب المستشار، ومع ذلك ليس لدى “فايدل” أي فرصة تقريباً لأن تصبح مستشارة، حيث لا يرغب أي من الأحزاب الأخرى في الدخول في ائتلاف معها، كما أن حزب البديل من أجل ألمانيا بعيد عن الأغلبية المطلقة.
أما حول التحالف الذي يفضله المشاركون بعد الانتخابات الجديدة، يبدو أن هناك الكثير من التردد:
- فقد اختار 44% ممن شملهم الاستطلاع الإجابة “لا أعرف” أو “لا توجد معلومات”.
- ويفضل 35% تشكيل ائتلاف كبير بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
- ويفضل 15% تشكيل ائتلاف بين الاتحاد والخضر.
- فيما ذهب 5% فقط ممن شملهم الاستطلاع إلى أنهم يريدون نسخة جديدة من ائتلاف إشارات المرور المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والحزب الديمقراطي الحر.
فيما صرح وزير المالية السابق وزعيم الحزب الديمقراطي الحر “كريستيان ليندنر” بأن تشكيل ائتلاف بين الحزب الديمقراطي الليبرالي (FDP) والاتحاد المسيحي، “سيكون ممكنًا بعد الانتخابات المقبلة في ألمانيا”. وأضاف ليندنر: “لكن من الواضح أن حكومة شولتس انتهت وأن بلادنا بحاجة إلى بداية جديدة”.
وبالنتيجة فإن المرشح الأقوى لتولي منصب المستشار هو زعيم حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي “فريدريك ميرتس”، ويترتب على ذلك العديد من النتائج التي ستنعكس على سياسة ألمانية الداخلية والخارجية، حيث ستكون الحكومة أقرب إلى اليمين منها إلى اليسار.
استشراف سياسة الحكومة الألمانية القادمة!
من خلال مواقف حزب الاتحاد الديمقراطي، يمكن استشراف أهم نقاط السياسة الألمانية في الحكومة القادمة التي من أهمها العمل على إظهار قوة أوروبا وتحقيق التوازن مع الولايات المتحدة، حيث دعا “ميرتس” إلى إظهار القوة واتخاذ موقف صارم خلال الولاية الثانية من رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة، مضيفاً أن أوروبا يجب أن تتحدث بصوت واحد، ويرى “ميرس” أن دونالد ترامب لا يتأثر بالضعف، بل بالقوة، وحتى بالمعارضة، وأضاف أن هذه هي الطريقة التي يمكن أن تتعامل بها أوروبا مع الحكومة الجديدة في واشنطن. مؤكداً أن على ألمانيا القيام بالمزيد من أجل أمنها الخاص.
أما عن الاقتصاد، فرأى “ميرتس” أن نموذج العمل المتمثل في الاستيراد بثمن بخس والتصدير بثمن باهظ والسماح للولايات المتحدة بدفع تكاليف الأمن قد انتهى الآن”. لكنه أضاف بأن هذه التطورات “ليست مأساوياً للغاية، نحن بحاجة إلى التكيف مع ذلك”، وهذا ما يعني أن الحزب الديمقراطي ينتهج سياسة اقتصادية داعمة للاقتصاد الخاص، وللشركات الرائدة على مستوى ألمانيا كصناعة السيارات وغيرها.
وعقب توليه رئاسة الحزب تعهد “ميرتس” بالعودة إلى نهج محافظ تقليدي بعد سنوات من توجه وسطي قادته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل إذ يعمل على توجيه الحزب نحو مجموعة من قضايا محددة أبرزها الطاقة والهجرة مع إيلاء اهتمام خاص بالأقلية المسلمة في البلاد.
وفي ظل هذا الوضع، يقدم الحزب الديمقراطي المسيحي نفسه باعتباره الكيان السياسي القادر على حل مشاكل ألمانيا، فيما تشير مسودة البرنامج الجديد إلى العودة إلى الطاقة النووية كجزء من الحل لتعزيز مصادر الطاقة في البلاد وضمان الحصول عليها بأسعار معقولة بما يتوافق أيضا مع الأهداف المناخية.
ويشكك بعض الاقتصاديين في هذا الزعم، بخاصة مع انخفاض أسعار مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية؛ واعتبرت “كلوديا كيمفيرت” التي ترأس قسم الطاقة والنقل والبيئة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية (دي.آي.دبليو)، إن البرنامج الجديد للحزب الديمقراطي المسيحي “ارتداداً للوراء” فيما يتعلق بمسار الطاقة.
وأضافت أن تكنولوجيا الطاقة النووية باتت “من الماضي ولم تعد من تكنولوجيات المستقبل لقد أضحت الطاقة النووية مكلفة للغاية فيما يستغرق بناء المحطات النووية عقوداً طويلة مع وجود مخاطر عالية؛ الطاقة النووية ليست قادرة على المنافسة دون دعم كبير”.
وتنص المسودة على أن الحزب الديمقراطي المسيحي “سيضع حداً للهجرة غير المنظمة ويحد من الهجرة الإنسانية إلى مستوى لا يعيق قدرة ألمانيا على تحقيق الاندماج”. ومن شأن هذه السياسة أن تعمل على تحويل مسار تقديم طلبات اللجوء إلى بلدان ثالثة تعتبر آمنة لتوطين طالبي اللجوء المحتملين بها، كما طالب الحزب بإعادة لاجئي الحرب من أوكرانيا الذين لا يقبلون العمل في ألمانيا إلى بلادهم، وقال رئيس المجموعة البرلمانية للحزب المسيحي، “ألكسندر دوبريندت” في مقابلة مع صحيفة “بيلد أم زونتاج”: “يجب أن يكون المبدأ الآن، بعد أكثر من عامين من بداية الحرب: إما العمل في ألمانيا أو العودة إلى المناطق الآمنة في غربي أوكرانيا”.
سياسة الحكومة تجاه الإسلام والمسلمين!
ركزت مسودة الحزب الديمقراطي المسيحي الجديدة على وضع المسلمين والإسلام في ألمانيا؛ وفيما يبدو أن الحزب قد تخلى عن شعار “الإسلام ينتمي إلى ألمانيا” الذي أكد عليه السياسي المخضرم من الحزب “كريستيان وولف” الذي تولى رئاسة البلاد إبان حقبة ميركل غير أن المسودة الجديدة للحزب ذكرت أن “المسلمين الذين يشاركوننا قيمنا وينتمون إلى ألمانيا”.
وأما عن علاقة الحكومة القادمة مع الحرب في أوكرانيا فهنالك سيناريوهان؛ أولهما الاستمرار في دعم أوكرانيا، فإذا استمرت الحرب ستواصل ألمانيا تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا إلى جانب التعاون الاستخباراتي والأمني، بشرط وجود توافق بين الأحزاب وتنسيق مع الناتو والاتحاد الأوروبي، ويعتبر هذا السيناريو مكلفاً جداً لألمانيا، خاصة إذا أخذنا في عين الاعتبار أن ترامب يسعى إلى نوع من التهدئة مع روسيا، وستجد الحكومة الألمانية نفسها أمام تحدٍ في الحفاظ على التزامها تجاه أوكرانيا وضمان الأمن الأوروبي، إذا تراجعت واشنطن عن التزاماتها تجاه هذا الملف.
أما السيناريو الثاني، فهو التوصل إلى اتفاقية سياسية مع روسيا بقيادة الإدارة الأمريكية بعدها تركز ألمانيا على إعادة الإعمار في أوكرانيا من خلال الدعم المالي واستثمارات البنية التحتية مع فتح المجال أمام الشركات الألمانية للمشاركة في المشاريع، مما يعزز الاستقرار والنفوذ الألماني في المنطقة.
الخلاصة
من المرجح أن تبقى الحكومة الألمانية القادمة مؤيده لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، حيث تحتل حرب أوكرانيا رمزية لدى الألمان، وانتصار روسيا هناك يعني أنها ستشكل خطراً ملموسا بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل لكن بدون شك عندما تكون هناك مفاوضات او مخرج سياسي في حرب أوكرانيا ستشارك ألمانيا فيها.
وبعد انتهاء ائتلاف إشارات المرور من المرجح أن تصبح المناقشة حول المساعدات العسكرية لأوكرانيا أكثر أهمية مرة أخرى.
وسلط زعيم المعارضة “ميرتس” الضوء على احتمال تسليم أنظمة صواريخ (توروس) إلى كييف، ويدعو زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي إلى اتباع نهج أكثر صرامة تجاه روسيا وزعيم الكرملين فلاديمير بوتين.
وأوضح “فريدريش”: “لقد قدمت اقتراحاً بمنح الحكومة في كييف الحق في القول: إذا لم يتوقف قصف السكان المدنيين في غضون 24 ساعة، فسيتم رفع القيود المفروضة على نطاق الأسلحة الحالية بشكل جماعي”. وتابع ميرتس “إذا لم يكن ذلك كافياً، فسيتم تسليم صواريخ “توروس” بعد أسبوع”.
هذا ما يعني أن “ميرتس” خرق الخطوط الحمراء التي وضعها المستشار الألماني الحالي، حيث كرر “شولتس” مراراً وتكراراً أن ألمانيا لا تزود كييف بصواريخ (كروز) بعيدة المدى لأن مخاطر التصعيد في الحرب الأوكرانية كبيرة للغاية، فيما يرى ميرتس الأمر بشكل مختلف، ويدعو إلى نهج أكثر صرامة تجاه روسيا.
المراجع:
- موقع (دويتشه فيله) في 9 سبتمبر 2024
- موقع (Merkur) في 15 نوفمبر 2024
- موقع (Ksta) في 14 نوفمبر 2024
- موقع (berliner-zeitung) في 14 نوفمبر 2024
- صحيفة (الشرق الأوسط) في 8 نوفمبر 2024
- (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات) في 9 نوفمبر 2024
- موقع (دويتشه فيله) في 19 أغسطس 2024