أثار الانهيار الأخير لنظام بشار الأسد مجموعة من الردود وأسئلة حاسمة اجتماعية وقانونية وسياسية حول مستقبل اللاجئين السوريين في أوروبا. مع فرار أكثر من ستة ملايين سوري من وطنهم منذ بداية الصراع في عام 2011، ونزوح سبعة ملايين داخلياً، يشكل هذا أكبر أزمة لاجئين في العالم. ومع محاولة القيادة الجديدة تحت حكم هيئة تحرير الشام (HTS) استقرار البلاد، تتصدر مناقشات عالمية حول العودة الطوعية، والإعادة القسرية، وتداعيات السياسات.
المشهد الاجتماعي والسياسي في سوريا
خلق سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 بيئة هشة ولكن تحمل بعض الأمل لسوريا. وبينما تعهدت القيادة الجديدة تحت حكم هيئة تحرير الشام باحترام القانون الدولي وتحسين الظروف لجميع السوريين، لا تزال هناك تحديات كبيرة. حيث يحتاج حوالي 70٪ من السكان إلى المساعدة الإنسانية، و90٪ يعيشون تحت خط الفقر، كما أن الوصول إلى الاحتياجات الأساسية مثل المأوى والرعاية الصحية والتعليم لا يزال غير كافٍ. هذه الظروف تعد عوامل حاسمة في تشكيل قرارات اللاجئين بشأن العودة إلى وطنهم.
العودة الطوعية: العوامل والتحديات
تُعد العودة الطوعية واحدة من الحلول “الدائمة” الثلاثة المعترف بها من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) للاجئين. وتشير الأبحاث إلى أن العامل الأساسي الذي يؤثر على قرارات العودة هو الأمان. فمن غير المرجح أن يعود اللاجئون حتى تتحسن الظروف الأمنية في سوريا بشكل كبير وتصبح مستقرة ودائمة. بالإضافة إلى ذلك، يلعب توفر الخدمات الأساسية، والفرص الاقتصادية، والبنية التحتية دوراً حيوياً.
تلعب الظروف الأسرية والروابط الاجتماعية دورًا حاسمًا في تشكيل الخيارات الفردية. اللاجئون الذين لديهم أطفال يتلقون تعليمهم في البلدان المضيفة غالباً ما يعطون الأولوية لمستقبل أطفالهم، مما يثنيهم عن العودة الفورية. في المقابل، فإن أولئك الذين لديهم روابط أسرية أو اجتماعية قوية في سوريا يميلون أكثر إلى التفكير في العودة.
ومن المثير للاهتمام أن الاندماج المحلي في البلدان المضيفة لا يستبعد بالضرورة العودة. تشير الأدلة إلى أن اللاجئين الذين يكتسبون التعليم والمهارات والعمل في البلدان المضيفة قد يكونون أكثر استعدادًا للعودة المستدامة. علاوة على ذلك، غالباً ما تكون العودة عملية ديناميكية، تتضمن زيارات استكشافية وإعادة اندماج تدريجية بدلاً من خطوة واحدة نهائية.
الإطار القانوني والإعادات القسرية
وفقاً لاتفاقية اللاجئين لعام 1951، تُحظر الإعادات القسرية إلا إذا تغيرت الظروف في بلد المنشأ بشكل جذري لضمان الأمان والاستقرار وحقوق الإنسان. يتطلب تطبيق “بند وقف اللجوء”، الذي يسمح بإنهاء وضع اللاجئين، شروطاً صارمة، بما في ذلك إقامة حكم القانون ونظم قانونية فعالة لحماية الأفراد من الاضطهاد. حتى في السيناريوهات المتفائلة، سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً لكي تلبي سوريا هذه المعايير.
يجب تطبيق بند وقف اللجوء على أساس كل حالة على حدة، مع تقييم الظروف الفردية والظروف المحلية في سوريا. من غير المرجح أن تسعى الدول الأوروبية إلى إلغاء وضع اللاجئ بشكل جماعي بسبب التعقيدات القانونية والإدارية المرتبطة بذلك. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من السوريين في الدول ذات سياسات التجنيس الشاملة، مثل السويد وهولندا، قد حصلوا على الجنسية وبالتالي لا يمكن ترحيلهم.
ومع ذلك، فإن الأفراد الذين يحملون أوضاعاً قانونية غير مستقرة، مثل طالبي اللجوء الذين لا تزال طلباتهم قيد النظر أو أولئك الذين يخضعون للحماية المؤقتة، قد يواجهون أكبر خطر للإبعاد. ستؤثر السياسات التي تصف مناطق معينة في سوريا بأنها “آمنة” بشكل كبير على هذه النتائج.
ردود الفعل السياسية الأوروبية
أدى سقوط نظام الأسد إلى ردود فعل متنوعة في أوروبا. حيث علقت بعض الحكومات، بما في ذلك ألمانيا وفرنسا والسويد والمملكة المتحدة، طلبات اللجوء للسوريين مؤقتاً، مشيرة إلى عدم اليقين بشأن الوضع المتغير. وبينما يمكن تفهم هذا التوقف، فإن التأخير الطويل قد يخلق حالة من عدم اليقين القانوني ويزيد من ضعف الأفراد المتأثرين.
استغلت الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة انهيار النظام للدعوة إلى الإعادة الفورية للاجئين السوريين، غالباً ما تؤطر القضية ضمن روايات مناهضة للهجرة. هذا الخطاب قد يطغى على النقاشات السياسية الدقيقة ويقوض حقوق وكرامة اللاجئين.
توصيات السياسات لعودة مستدامة
إذا كان الهدف هو تسهيل العودة الطوعية والمستدامة، يجب على صناع السياسات الأوروبيين تبني نهج عابر للحدود يوازن بين الاندماج المحلي ومبادرات العودة. تشمل التوصيات الرئيسية:
- دعم الزيارات الاستكشافية: تخفيف القيود القانونية على زيارات “الاستكشاف” للسماح للاجئين بتقييم الأوضاع في سوريا قبل اتخاذ قرارات دائمة.
- مساعدة إعادة الاندماج: تقديم دعم مالي ولوجستي للسكن والرعاية الصحية والتعليم في سوريا لتشجيع العودة مع ضمان الكرامة والاستدامة.
- أطر عودة ديناميكية: الاعتراف بأن العودة عملية متكررة تتضمن التنقل المستمر بين البلدان المضيفة وبلد المنشأ لتعزيز الاندماج التدريجي.
- ضمانات ضد الإعادات القسرية: يجب على الدول المضيفة الالتزام بالمعايير القانونية الدولية لمنع الإعادات المبكرة أو القسرية، وضمان توافق القرارات مع الظروف الفردية والوضع المتطور في سوريا.
الخاتمة
يمثل سقوط نظام بشار الأسد نقطة تحول لسوريا وشتاتها. وبينما تعد إمكانية العودة إلى الوطن مصدر أمل للعديد من اللاجئين السوريين، فإن التحديات الكبيرة لا تزال قائمة. يجب على المجتمع الدولي، وخاصة الدول المضيفة في أوروبا، التعامل مع هذه التعقيدات بعناية، مع موازنة الاعتبارات الإنسانية والالتزامات القانونية والتطلعات طويلة الأمد للاجئين. من خلال تهيئة الظروف للعودة الطوعية والآمنة والكريمة، يمكن لصناع السياسات المساهمة في إعادة إعمار سوريا مع تكريم صمود وحقوق شعبها.