تتجدد المظاهرات في الشارع العراقي تزامناً مع تصاعد التوتر الأمني الحاصل بالهجمات الصاروخية التي استهدفت مناطق حيوية في العراق، ما يدفع باتجاه تزايد القلق من موجة صراعات تهدد مستقبل البلاد ومنظومتها والسلام فيها، وفقاً لما يراه المحلل السياسي، “عبد الجبار العبيدي”، مشيراً إلى أن كافة المؤشرات تعطي دلالات سلبية حول مستقبل العراق.
يشار إلى أن مصادر طبية عراقية، قد أعلنت الاثنين عن اندلاع مظاهرات عارمة في مدينة ذي قار، لافتةً إلى أن المظاهرات شهدت أعمال عنف أسفرت عن مقتل متظاهر وجرح أربعة أشخاص آخرين، بالإضافة إلى إصابة 12 عنصراً من القوات الأمنية في محيط جسر الناصرية.
منظومة فساد ودولة غائبة
أساس مشكلات العراق وبحسب ما يقوله “العبيدي”، يبدأ من غياب الدولة العراقية وفقدان هيبتها، لافتاً إلى أن البلاد تعيش في حالة فوضى عارمة وفقدان للنظام العام وتعطيل فعلي للدستور، ما أثر سلباً على الظروف العامة في البلاد وأثار حنق الشعب العراقي ضد السلطة الحاكمة.
كما يشير “العبيدي” إلى وجود فصل كبير وفجوة تتسع بشكلٍ يومي بين الشعب العراقي والمنظومة الحاكمة، التي حولت العراق إلى دولة فاشلة تديرهادوة عميقة أساسها الميليشيات والارتباطات الخارجية، لافتاً إلى أن العراق لن يستقر في ظل طريقة الحكم الحالية.
يذكر أن العراق يشهد منذ تشرين الأول 2019، وحتى الآن موجة متواصلة من الاحتجاجات المطالبة بتغيير لالنظام الحاكم والحد من سلطة الميليشيات المدعومة من إيران، والتي أسفرت عن مقتل اكثر من 600 شخص، بعضهم نشطاء تم اغتيالهم من قبل جهات مجهولة.
في ذات السياق، يرى الباحث في الشأن العراقي، “سميح القيشطاني”، أن مشكلة العراق لا تحل بتغيير الحكومة في ظل بقاء نظام المحاصصة الطائفية، الذي يسمح باستمرار حكم الميليشيات المقوض لعمل مؤسسات الدولة بما فيها الحكومة والقضاء، معتبراً أن منظومة الفساد والفقر والانهيار الاقتصادي والأمني مرتبطاً بشكلٍ كامل بذلك النظام.
صواريخ فوق الحكم
تصاعد الهجمات الصاروخية على المناطق الحيوية في العراق، بحسب ما يقوله “القيشطاني”، يعكس الحالة العراقية ووجود قوة فوق الدولة والحكم والمؤسسات العسكرية، خاصةُ وأن البلاد شهدت أربع هجمات متتالية خلال أقل من أسبوع، مبيناً أن الحكومة العراقية تعتبر الحلقة الأضعف بين القوى المتواجدة على الأراضي العراقية.
وكان العراق شهد الاثنين، قصف محيط السفارة الأمريكية في بغداد بصواريخ كاتيوشا، بعد يومٍ واحد فقط من قصف قاعدة بلد الجوية، التي تستضيف قوات أمريكية، وذلك بعد يومٍ واحد من قصف مطار أربيل بقذائف صاروخية من قبل ميليشيات تسمي نفسها “سرايا أولياء الدم”.
في هذا السياق، يرى “القشطاني” أن المطلوب من تلك الهجمات هو إضعاف دور الحكومة العراقية وإظهار قوة الميليشيات والمجموعات الخارجة عن إطار المؤسسات الرسمية، موضحاً: “العراق يدفع ثمن التراخي الامريكي بالتمدد الإيراني، وفي حال عدم وضع حد للنفوذ الإيراني في العراق، فإن البلاد مقبلة على أنهار من الدم”.
يشار إلى أن وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان العراق، “ريبر أحمد” ، كشف أن سلطات الإقليم حددت الجهة، التي تقف وراء عملية استهداف مطار أربيل ومقر التحالف الدولي، مشيرا إلى أن المنفذين من خارج الإقليم تسللوا إلى داخل الإقليم بغية تنفيذ هجماتهم الصاروخية.
وقال “أحمد”: “السلطات تنتظر من بغداد اعتقالهم، خاصةً وأن المهاجمين استفادوا من المعاملة الجيدة للقوات الأمنية في نقاط التفتيش، وأحدثوا خرقا أمنيا”، مشيراً إلى أن هذه العملية تؤكد أن داعش ليست المنظمة الإرهابية الوحيدة في البلاد، وهناك جماعات إرهابية أخرى.
دعم إقليمي ودولي.. ومصلحة قومية
أمام المستقبل الغامض الذي يحيط بالعراق، يؤكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط، “عمير الخبيري”، أن الأوضاع في العراق تتطلب توافر دعم دولي وإقليمي للعراق والحكومة القائمة، معتبراً أن الاستقرار في هذا البلد يمثل مصلحة قومية عربية، على اعتبار أن المشروع الإيراني لا يقتصر على العراق وحسب.
كما يشير “الخبيري” إلى أن أزمة العراق الاقتصادية، لا يمكن حلها بدون تحسين العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الجوار، وتوفير دعم مالي يساعد الحكومة على تجاوز التحديات المعيشية، وخفض وتيرة الغضب الشعبي، خاصةً في ظل الأرقام القياسية لمعدلات الفقر والبطالة وتكاليف إعادة الإعمار.
وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن معدلات الفقر والبطالة وصلت إلى حدود 25 بالمئة من السكان، بالإضافة إلى وجود مئات الآلاف من العراقيين المقيمين في مخيمات النزوح.
في السياق ذاته، يلفت “الخبيري” إلى حجم المطلوب من الحكومة العراقية والتحديات أمامها تفوق بكثير إمكانياتها والمساحة المتاحة لعملها، موضحاً أن الحكومة لا تواجه فقط التحديات الاقتصادية فقط وإنما التحديات الامنية ومتطلبات الإصلاح الحكومي والمنظومة السياسية.