خصّصت مجلة الجيش الجزائري، التابعة للمؤسسة العسكرية بالجزائر، ملفاً جديداً عن نزاع الصحراء المغربية في عددها الجديد لشهر أكتوبر الجاري، بعدما كانت قد أفردت حيزاً وافراً من عددها السابق الخاص بشهر سبتمبر للتطرق إلى الموضوع نفسه، وهو ما يعكس أولوية ملف الصحراء بالنسبة إلى العسكر في الجار الشرقي على حساب قضاياه الوطنية.
وحسب المجلة الناطقة باسم الجيش، فان الجزائر تجدد التزامها بدعم الجهود والمبادرات الرامية إلى استعادة الأمن والاستقرار بالقارة “لتخليص الشعب الصحراوي الشقيق من اضطهاد واستبداد المحتل”، معتبرة منطقة الصحراء المغربية هي “آخر مستعمرة” في القارة الإفريقية.
وعادت المجلة الرسمية إلى استعمال ورقة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية. وتطرق الجيش الجزائري إلى معبر الكركرات الحدودي، الذي تحاول عناصر الجبهة استغلاله هذه الأيام من أجل إشعال فتيل الاحتقان، لكن يبدو أن رغبة الجار الشرقي بإغلاق معبر الكركرات اصطدمت برفض موريتاني قوي.
وكشفت مصادر موريتانية قيام وفد عسكري موريتاني رفيع المستوى بزيارة لمخيمات تيندوف امتدت إلى ساعات شملت لقاءات موسعة مع إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، وقادته الأمنيين والعسكريين.
وتناول اللقاء، الذي تم بشكل سري ومغلق، رفض نواكشوط إغلاق معبر الكركرات بالنظر إلى الضرر الكبير الذي قد يلحق بالاقتصاد الموريتاني في ظل الظروف الصعبة المرتبطة بتأثير جائحة “كورونا”.
نزع وتدمير الألغام
وتضمن عدد المجلة الكثير من التناقضات والمفارقات الغريبة بخصوص مسألة نزع الألغام بالصحراء، فبعد كشف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير عن منع البوليساريو أفراد من “المينورسو” تابعين لدائرة الإجراءات المتعلقة بالألغام من الوصول إلى موقع بير لحلو قصد القيام بمهامهم، تحدث الجيش الجزائري عن مجهودات التنظيم الانفصالي في نزع وتدمير الألغام.
وهدد عبد القادر عمر الطالب، المسمى بـ”سفير البوليساريو” لدى الجزائر، في حواره مع مجلة الجيش الجزائري، بالتصعيد في منطقة الكركرات وإشعال المنطقة في حالة استمرار جمود الملف والتأخر في تعيين مبعوث أممي جديد.
وفي هذا الصدد، قال: “نحن اليوم أمام مفترق طرق، إذ لم يعد بالإمكان البقاء في وضع الجمود والانسداد الحالي، فإما أن تقع انطلاقة صحيحة مجددا باتخاذ اجراءات جدية تجبر الطرف المعرقل على الاستجابة للمشروعية، أو الرجوع إلى المربع الأول بما يحمله من تصعيد وتوتر”.
تأتي هذه التحاليل، في وقت تشيد فيه الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي بدور اللجنتين الجهويتين للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالعيون والداخلة وبتفاعل المملكة المغربية مع آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن تصعيد الجيش الجزائري من مواقفه تجاه ملف الصحراء المغربي يأتي رداً على الإدانة الأممية غير المسبوقة لخروقات “البوليساريو” المتضمنة بالأرقام ضمن تقرير أنطونيو غوتيريش المرفوع إلى مجلس الأمن الدولي.
اغلاق معبر كركرات الحدودي
وتلوح نُذر أزمة جديدة في الأفق بين المغرب وجبهة البوليساريو، في ظل تخطيط قيادة الجبهة لإغلاق معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا في وجه الحركة التجارية والمدنية بشكل نهائي، وفي وقت يستعد فيه مجلس الأمن الدولي لدراسة تطورات ملف الصحراء، وإصدار قرار أممي بشأن التمديد للبعثة الأممية في الصحراء “المينورسو”، المرتقب أن تنتهي مهمتها في 31 أكتوبر الجاري ، تتجه البوليساريو لإعادة أجواء التوتّر إلى معبر الكركرات الحدودي، في ظل تخطيطها لحشد أنصارها القادمين من مخيمات تندوف وموريتانيا أمام البوابة الحدودية للاحتجاج وتعطيل حركة المرور البرية، وذلك بالتزامن مع الحملة الإعلامية التي تخوضها الجبهة منذ أسابيع لإغلاقه.
وتُعتبر منطقة الكركرات منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في العام 1991، الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يعتبر الجدار الذي شيده المغرب منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطاً لوقف النار، حيث تنتشر القوات الأممية “المينورسو” لمراقبة تنفيذه. وقد تحول معبر الكركرات الحدودي إلى نقطة توتّر منذ صيف 2016، حين بادر المغرب إلى إطلاق حملة تمشيط للمعبر الحدودي الرابط بينه وبين موريتانيا، مستهدفاً شبكات التهريب والاتجار غير المشروع. وحجزت السلطات المغربية حينها حوالي 600 عربة غير قانونية، وهو ما ردّت عليه جبهة البوليساريو بإيفاد مجموعة من مسلحيها إلى المعبر، مسبّبة حالة من التوتّر الإقليمي والدولي.
وبعد شهور طويلة من التوتّر الذي خيّم على المنطقة، انتهت الأزمة من الجانب المغربي في فبراير 2017، حين استجابت المملكة لطلب الأمين العام للأمم المتحدة بسحب قواتها التي دفعت بها نحو المنطقة لمواجهة مسلحي البوليساريو، الذين أتوا إليها من معسكراتهم الواقعة إلى الشمال. لكن الجبهة رفضت الامتثال لذلك الطلب، وبقيت في محيط المعبر الحدودي إلى أن اقترب موعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي نهاية ابريل 2017، وقامت بانسحاب جنّبها إدانة رسمية من قِبل المجلس. وعلى الرغم من هذه الانسحابات، إلا أن المعبر بقي نقطة توتّر، لا سيما من جانب جبهة البوليساريو، التي تلوّح بتهديده كلما واجه ملف الصحراء أزمة جديدة.