تعليق بقلم فريدريك ماين – لندن
بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تُعدّ الحالة الراهنة فرصة كلاسيكية للربح من جميع الجهات. فبعد الاجتماع الكارثي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تعرض المملكة العربية السعودية الآن نفسها كساحة دبلوماسية للتقارب الصعب بين واشنطن وكييف — وهو تقارب ستُضطر أوكرانيا على الأرجح لتقديم تنازلات كبيرة فيه لصالح الولايات المتحدة. وما يزيد من ملاءمة المشهد أن هذه المحادثات جرت في قلب الصحراء — بعيدًا جغرافيًا عن حطام السياسة الذي خلّفه صراع ترامب العنيف في المكتب البيضاوي حول إنهاء حرب أوكرانيا، وصفقة موارد ضخمة، ومستقبل بلد تعرض لهجوم وحشي من قِبل روسيا.
مجرد استضافة هذه المفاوضات منحت محمد بن سلمان — الذي يحكم فعليًا المملكة منذ سنوات نفوذًا سياسيًا كبيرًا. وقد بدأت خبرة السعودية في الملف الأوكراني تُؤتي ثمارها: إذ سبق للمملكة أن توسطت في تبادل أسرى بارز بين روسيا وأوكرانيا. ومع ذلك، لم يقدّم بن سلمان نفسه صراحةً كوسيط في المحادثات الجديدة بين الأميركيين والأوكرانيين. لقد كان المضيف — وذلك وحده كان كافيًا لترسيخ أهمية المملكة المتزايدة على الساحة الدولية.
هناك الكثير على المحك بالنسبة لولي العهد — والأكثر من ذلك أنه يقف على أعتاب مكاسب ضخمة. فالاتفاق التمهيدي بين الولايات المتحدة وأوكرانيا يبدو قريب المنال بالفعل. وإذا ما تصافح دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة تُعقد في السعودية، فإن الأضواء العالمية ستتجه لا محالة نحو المملكة الصحراوية الغنية بالنفط وحاكمها الفعلي الشاب. سيكون ذلك نصرًا دبلوماسيًا لمحمد بن سلمان: إذ سيكون قد رفع وزن السعودية الدولي بشكل ملحوظ ودرامي. وسيتوسع نفوذ المملكة ليس فقط اقتصاديًا بل وجيوسياسيًا — ما سيشكّل دفعة قوية لـ«القوة الناعمة» السعودية.
وبذلك، يكون بن سلمان قد أعاد إحياء تقليد جعل من المملكة يومًا ما قوة عالمية ذات شأن. لم يكن نفوذ السعودية قائمًا فقط على ثرواتها النفطية الهائلة. فبصفتها القوة العربية الأبرز وراعية الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، اضطلعت المملكة بدور سياسي بارز في العالم العربي والإسلامي لعقود. إلا أن هذه المكانة التقليدية تراجعت خلال حكم بن سلمان، لا سيّما بسبب القمع الداخلي والسياسات الخارجية الأحادية. الآن، أمام ولي العهد فرصة حقيقية لاستعادة هذا النفوذ المتآكل — ولإعادة وضع المملكة كلاعب لا غنى عنه على المسرح العالمي.
كانت سمعة السعودية قد تضررت بشدة منذ أن بدأ بن سلمان بإحكام قبضته على السلطة ابتداءً من عام 2015. وما زالت المملكة تُعاني من وصمة «الدولة المنبوذة» — وهي وصف لا يعود فقط إلى سجلها الطويل في انتهاكات حقوق الإنسان، والذي لم يتحسن إلا بشكل طفيف. وقد ازدادت عزلتها بشكل كبير حين وصفها الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن بـ«المنبوذة» بعد مقتل الصحفي والمعارض جمال خاشقجي بطريقة وحشية عام 2018. ورغم أن بن سلمان تملّص بمهارة من تحمّل مسؤولية مباشرة عن الجريمة، إلا أن وصمة العار بقيت ملتصقة به.
أما التدخل العسكري في اليمن المجاورة فكان إخفاقًا كبيرًا آخر لولي العهد. فمنذ انطلاقه عام 2015 بقيادة تحالف دولي، كشف هذا التدخل عن ضعف غير متوقع في القدرات العسكرية للمملكة الصحراوية المتقدمة والمجهزة بأسلحة باهظة. لكن كل ذلك بات في طي النسيان الآن. إذ عادت السعودية إلى الواجهة لاعبًا أكثر وضوحًا ونشاطًا على الساحة الدولية، بفضل حملة التحديث التي يقودها بن سلمان.
لكن السؤال الذي يظل مطروحًا: هل يسعى ولي العهد حقًا للعب دور فاعل في السياسة الخارجية؟ يرى كثير من المراقبين أن بن سلمان يبدو أكثر تركيزًا على تحديث وتسويق بلاده من السعي لقيادة سياسية جريئة في الخارج. ففي الصراع الدائر في غزة مثلًا، تولت دول مثل مصر وقطر زمام المبادرة، بينما بقيت السعودية في الخلفية، تقتصر على بيانات متوقعة وصيغة نمطية.
وفي النزاع السوري أيضًا، ظلت المملكة بعيدة عن الأضواء — رغم أن سوريا، باعتبارها دولة عربية محورية، كانت في وقت من الأوقات محل اهتمام سعودي كبير. بينما تلعب تركيا، وهي دولة غير عربية، دورًا رئيسيًا في مصير بشار الأسد، اكتفت الرياض بموقف حذر يكاد يكون منفصلًا عن الصراع.
قد يعكس هذا التريث المحسوب إعادة ضبط استراتيجية من جانب ولي العهد محمد بن سلمان. فالحاكم الفعلي الشاب يبدو أقل انجذابًا لألعاب القوة التقليدية مقارنةً بأسلافه، ويوجه طاقته نحو مشاريع داخلية طموحة: من بنية تحتية ضخمة، إلى إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي بما يتماشى مع مرحلة ما بعد النفط. ومع ذلك، وكما أظهرت محادثات أوكرانيا، يعرف بن سلمان تمامًا متى وأين ينخرط في الشؤون الخارجية لتعظيم مكاسب السعودية. فقد عززت استضافة هذه المفاوضات الحساسة العلاقة الحيوية مع الولايات المتحدة — والأهم من ذلك، عمّقت الروابط الشخصية بين ولي العهد ودونالد ترامب.
لطالما اعتُبرت العلاقة الشخصية بين “صانع الصفقات” المزعوم في واشنطن والوريث الطموح في الرياض استثنائية في قربها. فبعد إعادة انتخاب ترامب، سارع الرئيس السابق إلى إجراء اتصال شخصي مع بن سلمان، ورد ولي العهد بوعود باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة. وليس من قبيل المصادفة أن السعودية تتصدر قائمة وجهات ترامب الخارجية. ويمكن للزخم الدبلوماسي الحالي أن يعمّق هذا التحالف أكثر — ما ستكون له تبعات بعيدة المدى، ليس فقط على المنطقة، بل على ميزان القوى العالمي بأسره.