عززت القوات الروسية خلال الأيام القليلة الماضية، من تواجدها العسكري على الحدود السورية العراقية، والتي تعد الممر البري الوحيد لإيران إلى شرق المتوسط عبر العراق، وتحديدا في محافظة دير الزور بمدينة البوكمال شرقي سوريا وقرب محافظة القائم العراقية، بالتزامن مع انسحاب للحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة لطهران ومنها حزب الله بشقيه اللبناني والعراقي.
وسائل الإعلام تتداول منذ دخول روسيا الحرب في سوريا قبل نحو ست سنوات، صراعا روسيا –إيرانيا على ثروات سوريا ضمن ما يطلق عليه عسكريا بالحرب الباردة، حيث انتقد سياسيو طهران مؤخرا السيطرة الروسية على ثروات البلاد الغنية، مقابل الدخل الضئيل التي تحصده إيران رغم الاتفاقيات المبرمة مسبقا مع نظام الأسد.
بينما تبحث روسيا التي باتت تسيطر حتى على قوى رسمية تابعة للنظام السوري عن بسط نفوذ أوسع، ووضع قدم لها في المنطقة الغنية بالثروات الباطنية، وسط التواجد العسكري الأميركي، ومحاولة منافسته، وبخاصة في منطقة التنف والمناطق النفطية في دير الزور والحسكة.
رؤية أخرى، ترجح محاولات موسكو إضعاف التواجد الإيراني في شرق سوريا كما يحدث جنوبا، ضمن اتفاق روسي إسرائيلي.
التواجد الإيراني..
تفرض إيران وقوات نظام الأسد سيطرة شبه كاملة على ما يعد المعبر البري الوحيد لإيران إلى سوريا وشرق المتوسط عبر جيش النظام والحرس الثوري الإيراني وميليشيات تابعة له أبرزها حزب الله بشقيه اللبناني والعراقي، لواء “فاطميون” الأفغاني، ”زينبيون” الباكستاني، لواء “الإمام علي” و”حركة النجباء”.
وتعتبر مدينة البوكمال، على الحدود العراقية السورية، من أهم مواقع تمركز المليشيات الإيرانية داخل الأراضي السورية، وتشهد عمليات تشييع وتجنيد للشبان في تلك المليشيات التي يقبلون الانضمام إليها هرباً من الخدمة الإلزامية في مناطق قوات النظام، فضلاً عن الرواتب المغرية بالنسبة لهم، التي تصل إلى نحو 200 دولار شهرياً.
التحركات الأخيرة على الجانب السوري..
قبل يومين، مصادر محلية من مدينة البوكمال شرقي دير الزور، الخاضعة لسيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية، أفادت مرصد مينا بأن قوات الفيلق الخامس التابع لروسيا مباشرة، نشرت عناصر تابعين لها في نقاط تفتيش تابعة للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الموالية له وسط المدينة.
وقالت مصادر مينا إن الميليشيات الإيرانية، قد استولت مؤخرا على عشرات المنازل في تلك المناطق، بعد أن طردت سكانها، وحوّلتها لمقرات عسكرية تتوسط منازل يسكنها مدنيون، وأن ميليشيا حزب الله تشن حملات اعتقال في المدينة، بتهم التعاون مع التحالف الدولي والتبليغ عن مواقعهم، كما منعت المرور بشوارع يملك الحزب حواجز فيها.
كذلك كثفت روسيا من تواجد قواتها في المنطقة الشرقية من دير الزور، حيث افتتحت مقراً لها في الفندق السياحي بمدينة البوكمال، بعد موافقة القوات الإيرانية التي كانت ترفض سابقا الطرح كلياً، حسب المصادر.
الجانب العراقي..
تداولت وسائل إعلام عراقية خلال الأسبوع الفائت، أنباء عن تراجع الميليشيات التابعة لإيران وخصوصا حزب الله العراقي داخل مركز قضاء القائم العراقي على الحدود السورية العراقية، تخوفا من ضربات أميركية، بعد تصنيفه مؤخرا كمجموعة إرهابية من قبل أميركا ودول أوروبية.
مصادر وصفت بالمقربة من الحشد الشعبي العراقي، أفادت بأن حزب الله بدأ يتراجع داخل مركز القضاء، بعد استمرار شن طيران التحالف الدولي والطيران الإسرائيلي غارات جوية داخل سوريا على العديد من المواقع والآليات التي يستخدمونها، وترقباً لسلسلة هجمات محتملة قبل مغادرة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته “دونالد ترامب”، فيما تحدث سكان محليون أن ميليشيات الحزب بدأت تقلل من تعاملها مع سكان المنطقة، كما انسحبت من منازل داخل منطقة السكك التابعة لقضاء القائم، ودخول مجموعة من ميليشيا كتائب “سيد الشهداء” عوضا ًعنهم.
يشار إلى أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تصنف الحرس الثوري وبعض ميليشياته ومنها مؤخرا حزب الله كإرهابي، وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أطراف مرتبطة بالحزب، وسط حديث في الصحافة الأميركية عن نية إدارة “دونالد ترامب” بضرب مواقع ميليشيات إيران في سوريا والعراق، قبل رحيلها.
التحركات الاستباقية
وسائل إعلام أشارت إلى أن التحرك الروسي المفاجئ، والذي يعتبر الأول من نوعه منذ سنوات، جاء بعد اتفاق غير معلن أبرمته روسيا مع الميليشيات الإيرانية المنتشرة في مدينة البوكمال السورية، وقضى بإنشاء نقاط عسكرية لها على الحدود السورية- العراقية.
قبل الانتشار الروسي، زار وفد من الشرطة العسكرية الروسية الأربعاء الماضي، مدينة البوكمال وريفها، قادماً من مطار دير الزور العسكري الخاضع لسيطرة قوات النظام السوري، في زيارة هي الثانية من نوعها خلال أسبوع، وفق وسائل إعلام محلية.
واتجه الوفد أولاً إلى قرية الطواطحة، والتقى بزعيم إحدى مليشيات المنطقة، كما التقى وجهاء وشيوخ عشائر مدينة الميادين والقرى التي تصلها مع البوكمال، ومن ثمّ قابل رئيس فرع الأمن السياسي في المدينة.
تفاهم أم حرب باردة!..
كشفت مصادر أن الاتفاق غير المعلن، يقضي بسحب ميليشيا “حركة النجباء” و”حزب الله” بشقيه من قرية الهري، على أن تحل مكانها قوات “الفيلق الخامس”، بالإضافة إلى عناصر من الشرطة الروسية، من أجل تنفيذ دوريات بين الفترة والأخرى.
وبموجب الاتفاق ستسلّم الميليشيات الإيرانية التي تسيطر على البوكمال مقار عسكرية للقوات الروسية داخل المدينة، وهو التمركز الأول لها منذ السيطرة على المنطقة من قبل الإيرانيين، في عام 2017
مراقبون رأوا أن هدف الانتشار الروسي في دير الزور هو مسعى إيراني للاستظلال بالتواجد الروسي وحماية المليشيات الإيرانية من القصف الإسرائيلي والأميركي، فيما يذهب آخرون إلى أن للروس أهدافاً أخرى أبعد من ذلك، تتعلق بإضعاف التواجد الإيراني، إضافة إلى منافسة الولايات المتحدة بالسيطرة على حقول النفط في المنطقة.
تقاطعت لسنوات مصالح روسيا وإيران على الجبهات السورية، ويتطور المشهد شيئا فشيئا حتى شرقي سوريا، كون الروس يقفون أمام معادلة صعبة، على خلفية تقاربهم الكبير مع إسرائيل من جهة، وعلاقتهم المستمرة مع طهران، التي تشاركهم نظام الأسد في سوريا.
إذ سبق الانتشار في الشرق تحركات روسية جنوبا في إطار الدوريات على خط “برافو” الفاصل بين قوات الأسد والقوات الإسرائيلية في الجولان، وزيارات لضباط روس محافظة السويداء، أما الشمال السوري فتحرك الروس على مدار الأسبوعيين الماضيين في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في ريف الرقة، في محاولة منهم لدخول مدينة عين عيسى، التي دخلتها تقريبا فصائل “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.