أبوبكر الرمح
الملخص التنفيذي:
الشمولية ليست مجرّد نمط من أنماط الحكم، بل هي منظومة فكرية ونفسية تعمل على هندسة الإنسان والمجتمع لصالح سلطة مطلقة؛ لا تقبل النقد ولا التعدد؛ وتقوم هذه المنظومة كما يشير كثير من منظّري العلوم السياسية مثل “حنة آرندت” على ركائز محددة!
فالشمولية العقائدية طائفياً مقابل الشمولية القومية النازية كانت تقوم على فكرة نقاء العرق الآري، والإقصاء المطلق لكل ما هو “دون الإنسان” من يهود، سلاف، وغجر. في المقابل، تعتمد ولاية الفقيه على مفهوم “الشيعي الخميني” كنموذج للإنسان المؤمن الكامل، في مقابل تصنيف الآخر – سواء كان سنيًا، أو علمانيًا، أو حتى شيعيًا معارضًا – كخائن، ضال، أو عميل!
هل أصبحت خمينية إيران مماثلة لمشروع هتلر النازي؟ هذا ما تناقشه هذه الورقة بأسلوب المقارنة بين الرايخ الهتلري والخمينية الإيرانية!
المحاور:
- المدخل
- من “الرايخ الثالث” إلى “ولاية الفقيه”! الشمولية بين القومية العرقية والدين المؤدلج
- إيديولوجية مَؤسَسَة العنف
- التهديد الكوني لنظام شمولي عقائدي
- النازية الجديدة بلباس طائفي إيراني
- جرائم إيران في ميزان المنظمات الإنسانية
- نظام الملالي مشروع شمولي باسم “الله”!
- الخاتمة
المدخل:
في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، قيل كثيرًا إن الإنسانية قد تعلمت الدرس. حيث وُضِعت مواثيق حقوق الإنسان، وأُنشئت المنظمات الأممية، وتكرّست فكرة “العدالة الدولية” كمبدأ لا حياد عنه. ومع ذلك، يبرز اليوم نظام سياسي في قلب الشرق الأوسط، يُعيد إنتاج أنماط الحكم التسلطي نفسها التي أنتجتها النازية، ولكن بغطاء ديني هذه المرة.
نتحدث هنا عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا بوصفها دولة ذات سياسات خلافية، بل كمنظومة فكرية ومؤسساتية تُمارس العنف المنهجي، وتصدر أيديولوجيا قائمة على إقصاء الآخر، وتبرير القتل كوسيلة لبقاء السلطة.
من “الرايخ الثالث” إلى “ولاية الفقيه”! الشمولية بين القومية العرقية والدين المؤدلج
الشمولية ليست مجرّد نمط من أنماط الحكم، بل هي منظومة فكرية ونفسية تعمل على هندسة الإنسان والمجتمع لصالح سلطة مطلقة؛ لا تقبل النقد ولا التعدد؛ وتقوم هذه المنظومة – كما يشير كثير من منظّري العلوم السياسية مثل “حنة آرندت” – على ثلاث ركائز مركزية:
- القائد الملهم الذي يُقدّم باعتباره المخلّص والمنقذ،
- العقيدة المطلقة التي لا تقبل المراجعة.
- والجهاز القمعي الذي يراقب ويعاقب ويضمن استمرارية السيطرة.
في ألمانيا النازية، كانت هذه الثلاثية واضحة:
- هتلر هو القائد الملهم.
- الفكر القومي الآري هو العقيدة.
- والجستابو وجهاز الدولة يمثلان الذراع التنفيذية للقمع.
أما في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن النسخة الشمولية المعاصرة تمظهرت بشكل ديني طائفي، لكنها حافظت على البنية ذاتها:
- علي خامنئي يُقدَّم لا كحاكم سياسي فحسب، بل كـ “ظل الله في الأرض”، صاحب الولاية على الأنفس والأموال.
- ونظرية “ولاية الفقيه” تحلّ محل “العقيدة الآرية” كنظرية تُحتكر فيها الحقيقة والشرعية الدينية والسياسية معًا.
- والحرس الثوري الإيراني يمثل النسخة الحديثة من الشرطة العقائدية، ليس داخل إيران فقط، بل في امتداداته الإقليمية عبر حزب الله، الحوثيين، الحشد الشعبي، وغيرها من الوحدات الميليشياوية العابرة للحدود.
الشمولية العقائدية مقابل الشمولية القومية النازية كانت تقوم على فكرة نقاء العرق الآري، والإقصاء المطلق لكل ما هو “دون الإنسان” من يهود، سلاف، وغجر. في المقابل، تعتمد ولاية الفقيه على مفهوم “الشيعي الخميني” كنموذج للإنسان المؤمن الكامل، في مقابل تصنيف الآخر – سواء كان سنيًا، أو علمانيًا، أو حتى شيعيًا معارضًا – كخائن، ضال، أو عميل!
هذا الإقصاء لا يتوقف عند الجانب النظري، بل تُبنى عليه سياسات ممنهجة:
- في الداخل الإيراني، تُمارَس أقسى أنواع القمع ضد الأقليات العرقية (كالأكراد والبلوش) والمذهبية (كالسنّة والبهائيين)، فضلًا عن النشطاء السياسيين والصحفيين. وفي خارج إيران، يُنظَر إلى كل دولة أو مجتمع لا يخضع لنفوذ الولي الفقيه كأرض ينبغي “تحريرها” أو “إعادتها” إلى محور المقاومة، ولو عبر الحرب أو التسلل العقائدي أو التدمير المؤسسي كما حصل في لبنان وسوريا والعراق.
إيديولوجية مَؤسَسَة العنف
كما جعل هتلر من جهاز الدولة أداة لإعادة تشكيل الهوية الألمانية وفقًا لعقيدته، يقوم النظام الإيراني بتسخير كل مؤسسات الدولة، من التعليم إلى القضاء إلى الإعلام، لترسيخ أيديولوجيا ولاية الفقيه كمرجعية شاملة لا تناقَش. وهذا ما قام به الخميني ثم خامنئي:
- في المدارس، يُربّى الأطفال على شعارات “الموت لأمريكا” و”نحن جنود المهدي”.
- في القضاء، يُعْدم المعارضون بعد محاكمات صورية.
- في الإعلام، يُحوَّل المخالف إلى “عميل للموساد أو السي آي إيه”، وهي تهمة كافية لإعدامه أخلاقيًا؛ إنْ لم يُعدم جسديًا.
التهديد الكوني لنظام شمولي عقائدي
ما يجعل مشروع ولاية الفقيه أكثر خطورة من النموذج النازي هو بعده الأممي والعقائدي. فبينما كان مشروع هتلر محصورًا بالجغرافيا الألمانية والتوسّع الأوروبي، فإن النظام الإيراني يرى نفسه مسؤولًا عن “تحرير الأمة الإسلامية” من طنجة إلى جاكرتا، وفق ما جاء في خطاب خامنئي في أكثر من مناسبة. وهذا البعد الكوني يجعل من المشروع الإيراني ليس مجرد تهديد لدولة أو مجتمع، بل تحديًا للقانون الدولي نفسه، حيث يتم استخدام الدين غطاءً لتجاوز السيادة، تمويل الإرهاب، تقويض أنظمة الحكم، وتفكيك المجتمعات على أسس طائفية.
النازية الجديدة بلباس طائفي إيراني
حين تتحول العقيدة إلى أداة للقتل، وتُرفع راية “الموت” بدل الحياة، فإننا أمام مشروع لا يقل خطورة عن النازية الكلاسيكية، بل ربما يفوقها في بعض أوجهه. فالنظام الإيراني في نسخته العقائدية الراهنة لا يكتفي بإقصاء “الآخر” الأيديولوجي، بل يُعيد إنتاج منطق الإبادة – إن لم يكن الجسدية المباشرة، فعلى الأقل الرمزية والثقافية والمجتمعية.
بينما اختارت النازية الألمانية عدوًا واضحًا متمثلًا في اليهود والسلافيين والمعارضين السياسيين، فإن خطاب الكراهية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية متشعّب، متعدد الأعداء، ولا يكاد يستثني أحدًا. فالخطر ليس فقط في الشعارات مثل: “الموت لأمريكا”، “الموت لإسرائيل”، “الموت للمنافقين”، “الموت لأعداء الولي الفقيه”، بل في المنظومة التربوية والإعلامية التي تُلقّن الأجيال بأن العالم منقسم إلى فسطاطين:
- فسطاط النور (أتباع ولاية الفقيه).
- وفسطاط الظلام (الجميع من دون استثناء: السني، العلماني، المسيحي، الليبرالي، حتى الشيعي غير الخميني).
إن هذا التوسّع في خطاب “الإبادة الرمزية” يُنتج حالة من القطيعة المطلقة مع المجتمع الإنساني العالمي، ويحول النظام الإيراني إلى حالة منفصلة عن القانون الدولي وقيم التعايش المشترك. إنه ليس نظامًا سياسيًا تقليديًا يمكن محاورته، بل حالة لاهوتية مسيّسة تتعامل مع العالم بوصفه “أرضًا جاهلية” يجب “تطهيرها” أو “إخضاعها”، إما بالسلاح أو بالفكر أو بالمال.
والأخطر أن هذا المشروع ليست له حدود جغرافية. إذ إن النظام لا يعترف بالدولة القومية الحديثة، بل يرى في “ولاية الفقيه” مرجعية عابرة للحدود، مما يبرّر تدخله في شؤون الدول الأخرى – سواء عبر:
- التمويل الممنهج للميليشيات (حزب الله، الحوثيين، الحشد الشعبي، وغيرها).
- أو تصدير الفكر العقائدي الطائفي عبر المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية.
- أو حتى عبر عمليات الاغتيال الموجهة خارج حدوده، كما وثّقتها عدة أجهزة استخبارات أوروبية وآسيوية.
كما أن استخدام العنف لا يقتصر على الوسائل التقليدية؛ بل إن النظام قد طوّر أدواته، فأصبح يمارس “الإبادة السياسية” من خلال محو كل فضاء عام مخالف: من الصحافة، إلى المسرح، إلى الإنترنت، وحتى الثقافة الشعبية، التي أصبحت محاصرة برقابة فكرية لا تقل ضراوة عن رقابة الحزب النازي.
جرائم إيران في ميزان المنظمات الإنسانية
بحسب تقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فإن إيران تحت ولاية خامنئي تعتبر من الدول الأعلى تنفيذًا لأحكام الإعدام بالنسبة لعدد السكان، وتحتل المرتبة الأولى في إعدام الأطفال والنساء والمعارضين السياسيين، بمن فيهم ناشطون سلميون.
(Amnesty International – Iran 2024) (Human Rights Watch – Iran 2024)
تضاف إلى ذلك جرائم خارج الحدود، لا باعتبارها تصرفات فردية، بل ضمن استراتيجية متكاملة لنقل “الثورة الإسلامية” إلى الإقليم، على حساب استقرار المجتمعات، ووحدة الشعوب، وسلامة الدول.
نظام الملالي مشروع شمولي باسم “الله”
إن النظام الإيراني بمزجه بين الخطاب الديني الطهراني وبين وسائل السيطرة القمعية الحديثة، يمثل تحوّلاً خطيرًا في مفهوم الطغيان؛ طغيان لا يقدّم نفسه كحاكم مستبد، بل كـ “ممثل للحق الإلهي”، مما يجعل مقاومته في نظر أتباعه “كفرًا”، ويحوّل أي معارضة إلى “حرب على الله”.
بهذا المعنى، يصبح مشروع “النازية الشيعية” أو “الشمولية المذهبية” ليس مجرد حالة استبداد سياسي، بل تهديدًا لأسس العقد الإنساني العالمي الذي قامت عليه منظومة حقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية.
مسؤولية العالم الحياد أمام هذا النوع من الأنظمة لا يمكن تبريره بدعاوى “السيادة” أو “الاختلاف الثقافي”. إن ما يجري في إيران – وفي المناطق التي تخضع للنفوذ الإيراني – من قمع، وقتل، وتخريب، هو شأن إنساني عالمي.
لقد وقفت الإنسانية سابقًا في وجه النازية، ودفع العالم ثمن التهاون معها باهظًا. واليوم، أمام العالم فرصة أخلاقية وتاريخية للوقوف مجددًا، ولكن هذه المرة ضد نسخة محدثة، مُعمّمة، وذات قدرات إعلامية وتكنولوجية واسعة.
إن مواجهة مشروع ولاية الفقيه ليست فقط ضرورة جيوسياسية، بل واجب أخلاقي. لا يمكن ترك ملايين البشر رهائن لعقيدة تشرعن الكراهية، وتُعيد إنتاج منطق الإبادة بشكل متسلسل.
الخاتمة
وفي النهاية ليس الهدف من هذه الورقة شيطنة شعب أو دين أو مذهب، بل توجيه نقد فكري للنظام والسلطة الإيرانية تحديداً؛ التي استولت على هذه العناوين وحولتها إلى أدوات قمع واستعلاء.
هتلر لم يعد موجوداً، نعم، لكنه لم يمت أيضًا. لقد عاد بهيئة جديدة، باسم جديد، وبلحية هذه المرة. وإذا صمت العالم، فإن تكرار المأساة لن يكون مصادفة، بل تواطؤًا.
وهنا، قائمة بأهم المصادر الموثوقة والمباشرة التي توثق وتحلل ممارسات النظام الإيراني في السياقات المشار إليها أعلاه، مع روابط رسمية يمكن الرجوع إليها:
المراجع والمصادر
منظمة العفو الدولية – تقرير إيران 2023/2024
https://www.amnesty.org/en/location/middle-east-and-north-africa/iran/report-iran/
هيومن رايتس ووتش – الفصل الخاص بإيران في تقرير العالم 2024
https://www.hrw.org/world-report/2024/country-chapters/iran
مجلس العلاقات الخارجية – الحرس الثوري الإيراني والنفوذ الإقليمي
https://www.cfr.org/backgrounder/irans-revolutionary-guards
معهد الشرق الأوسط – استراتيجية إيران في تصدير الميليشيات
https://www.mei.edu/publications/irans-militant-export-strategy
معهد واشنطن – الثيوقراطية الاستبدادية في إيران
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/irans-authoritarian-theocracy
منظمة حقوق الإنسان في إيران – التقرير السنوي حول الإعدامات في إيران 2024
https://iranhr.net/en/reports/30/
هانا آرندت – أصول الأنظمة الشمولية (كتاب)
https://archive.org/details/originsoftotalit00aren_0